تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصر عما أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا، ودانهم كبرا، واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا؟ أما والله! ما لك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه إلا كما قال القائل: " لا حلي ولا سيري " ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنى تصلح الخلافة لطليق؟!
فقال معاوية: لولا أني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم (1).
(180) صعصعة ومعاوية الكلبي، قال: دخل صعصعة بن صوحان [العبدي] على معاوية، فقال له:
يا ابن صوحان! أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها، فأخبرني عن أهل البصرة؟
وإياك والحمل على قوم لقوم! قال: البصرة واسطة العرب، ومنتهى الشرف والسؤدد، وهم أهل الخطط في أول الدهر وآخره، وقد دارت بهم سروات العرب كدوران الرحى على قطبها.
قال: فأخبرني عن أهل الكوفة؟ قال: قبة الإسلام، وذروة الكلام، ومظان ذوي الأعلام، إلا أن بها أجلافا تمنع ذوي الأمر الطاعة، وتخرجهم عن الجماعة، وتلك أخلاق ذوي الهيئة والقناعة.
قال: فأخبرني عن أهل الحجاز؟ قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها