بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى، وكيف ألومه في ذلك وقد قاتل أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وآله ومن وقاه بيده؟!
فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة:
استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري - وكان ابن عباس قد كشف بصره - فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال:
يا ابن الزبير، أما العمى: فإن الله تعالى يقول: " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وأما فتياي في القملة والنملة: فإن فيها حكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك. وأما حملي المال: فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه وبقيت بقية هي دون حقنا في كتاب الله، فأخذناها بحقنا. وأما المتعة: فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردى عوسجة.
وأما قتالنا أم المؤمنين: فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك، فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها، ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما! فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما. وأما قتالنا إياكم فإنا لقيناكم زحفا فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا، وأيم الله لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته.
فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن " بردى عوسجة " فقالت: ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم؟ فإنهم كعم الجواب إذا بدهوا. فقال: بلى وعصيتك. فقالت: يا بني، أحذر هذا الأعمى الذي ما طاقته الإنس والجن، واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها، فإياك وإياه آخر الدهر! (1).