المتناقضان " وفي آخر باب " المجتهدون في القرن الأول وموارد اجتهادهم " كيف كانوا يضعون الأحاديث تأييدا لمواقف الخلفاء وكذلك نجد مزيد ايضاح لذلك في ما ورد بآخر الجزء الأول، في بحث اتجاه السلطة زهاء ثلاثة عشر قرنا.
وعلى ما ذكرنا في هذه البحوث من الصحيح ان نترك من الحديثين المتعارضين ما وافق اتجاه مدرسة الخلفاء.
ولما كان اتباع مدرسة الخلفاء كثيرا ما يسألون أئمة أهل البيت عن تلك المسائل في مجالس عامة حيث لم يكن بمقدور الأئمة حينذاك ان يبينوا حكم الله وسنة الرسول في مورد السؤال والذي كان مخالفا لاجتهاد مدرسة الخلفاء، صونا لدمائهم ودماء شيعتهم، وكانوا مكرهين أحيانا على الإجابة بما يوافق رأي مدرسة الخلفاء، حتى إذا أتيح لهم فرصة الإجابة دونما تقية، بينوا حكم الله وسنة الرسول في المسألة فمن ثم ورد بعض الأحاديث عنهم في مسألة واحدة مختلفة في بيان الحكم كما صرح به الإمام الصادق وقال: ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه. 2 وقال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه. 3 هكذا ذكر الأئمة هذه القاعدة مع بيان علتها وأحيانا غير معللة، وورد عنهم أيضا قواعد أخرى لمعرفة الحديث، مثل حديث الإمام الرضا.
وقد سئل يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشئ الواحد فقال (ع): إن الله حرم حراما وأحل حلالا وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لا يسع الاخذ به، لان رسول الله (ص) لم يكن ليحرم ما أحل الله ولا ليحلل ما حرم الله ولا ليغير فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله، وذلك قول الله: