وفي " معاهد التنصيص " 2 ص 28 قال المستهل: أقام الكميت مدة متواريا حتى إذا أيقن أن الطلب خف عنه خرج ليلا في جماعة من بني أسد على خوف ووجل وفيمن معه " صاعد " غلامه وأخذ الطريق على " القطقطانة " وكان عالما بالنجوم مهتديا بها فلما صار سحيرا صاح بنا هوموا (1) يا فتيان فهو منا وقام فصلى، قال المستهل:
فرأينا شخصا فتضعضعت له فقال: مالك؟ قلت: أرى شخصا مقبلا فنظر إليه فقال: هذا ذئب قد جاء يستطعمكم فجاء الذئب فربض ناحية فأطعمناه يد جزور فتعرقها ثم أهوينا له بإناء فيه ماء فشرب منه فارتحلنا وجعل الذئب يعوي، فقال الكميت: ماله ويله ألم نطعمه ونسقه؟؟ وما أعرفني بما يريد هو يدلنا إنا لسنا على الطريق تيامنوا يا فتيان؟ فتيامنا فسكن عواءه فلم نزل نسير حتى جئنا الشام فتوارى في بني أسد وبني تميم.
وهذا جانب عظيم من نواحي مكرمات الكميت وفضايله لو أضيف إلى ما يظهر من كلماته المعربة عن نفسياته، ومواقفه الكاشفة عن خلايقه الكريمة، وما قيل فيه وفي مآثره الجمة يمثله بين يدي القارئ بمظاهر روحياته، ونصب عينيه مجالي نفسياته، وأمثلة مكارم أخلاقه وما كان يحمله بين جنبيه من العلم، والفقه، والأدب، والإباء، والشمم، والحماسة، والهمة، واللباقة، والفصاحة، والبلاغة، والخلق الكامل، وقوة القلب، والدين الخالص، والتشيع الصحيح، والصلاح المحض، والرشد والسداد، إلى فضايل تكسبه فوز النشأتين لا تحصى.
الكميت وهشام بن عبد الملك كان خالد بن عبد الله القسري قد أنشد قصيدة الكميت التي يهجو فيها اليمن و هي التي أولها.
ألا حييت عنا يا مدينا * وهل ناس تقول مسلمينا فقال: والله لأقتلنه ثم اشترى ثلاثين جارية بأغلى ثمن وتخيرهن نهاية في الحسن والكمال والأدب فرواهن (الهاشميات) ودسهن مع " نخاس " إلى هشام بن