فجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده فيقول: اسمع اسمع. ثم استأذنه في مرثية ابنه معاوية فأذن له فيها فأنشده قوله:
سأبكيك للدنيا وللدين إنني * رأيت يد المعروف بعدك شلت أدامت عليكم بالسلام تحية * ملائكة الله الكرام وصلت فبكى هشام بكاء شديدا فوثب الحاجب فسكته، ثم جاء الكميت إلى منزله آمنا فحشدت له المضرية بالهدايا، وأمر له مسلمة بعشرين ألف درهم، وأمر له هشام بأربعين ألف درهم، وكتب إلى خالد بأمانه وأمان أهل بيته وإنه لا سلطان له عليهم.
قال: وجمعت له بنو أمية فيما بينها مالا كثيرا، ولم يجمع من قصيدته تلك يومئذ إلا ما حفظه الناس منها فألف وسئل عنها فقال: ما أحفظ منها شيئا إنما هو كلام ارتجلته.
وفي رواية: إنه لما أجاره مسلمة بن هشام وبلغ بذلك هشاما دعا به وقال له:
أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟ فقال: كلا ولكنني انتظرت سكون غضبه. قال:
أحضرنيه الساعة فإنه لا جوار لك. فقال مسلمة للكميت: يا أبا المستهل؟ إن أمير المؤمنين قد أمرني بإحضارك. قال أتسلمني يا أبا شاكر؟ قال: كلا ولكني أحتال لك. ثم قال له: إن معاوية بن هشام مات قريبا وقد جزع عليه جزعا شديدا فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره وأنا أبعث إليك بنيه يكونون معك في الرواق، فإذا دعا بك تقدمت عليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولون: هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحق بإجارته. فأصبح هشام على عادته متطلعا من قصره إلى القبر فقال: ما هذا؟ فقالوا:
لعله مستجير بالقبر. فقال: يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له. فقيل: فإنه الكميت. فقال: يحضر أعنف إحضار. فلما دعى به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه، فلما نظر هشام إليهم إغرورقت عيناه واستعبر وهم يقولون: يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات وما حظه من الدنيا فاجعله هبة له ولنا ولا تفضحنا في من استجار به. فبكى هشام حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال له: يا كميت؟ أنت القائل:
وإلا فقولوا غيرها تتعرفوا * نواصيها تروى بنا وهي شزب (1)