بفلسطين يقال لها: السبع. فنزل بها، وكان يقول: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، والله إن كنت لألقى الراعي فأحرضه عليه. وفي لفظ البلاذري: وجعل يحرض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم. فبينما هو بقصره بفلسطين إذ مر به راكب من المدينة فسأله عمرو عن عثمان فقال: تركته محصورا. قال عمرو: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار، فلما بلغه مقتل عثمان قال عمرو: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الأمر من بعده؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق (1) وهو أكره من يليه إلي.
فلما بلغه أن عليا قد بويع له، فاشتد عليه وتربص لينظر ما يصنع الناس، ثم نمى إليه معاوية بالشام يأبى أن يبايع عليا، وإنه يعظم قتل عثمان ويحرض على الطلب بدمه، فاستشار ابنيه عبد الله ومحمدا في الأمر، وقال: ما تريان؟ أما علي فلا خير عنده وهو رجل يدل (1) بسابقته، وهو غير مشركي في شئ من أمره. فقال عبد الله ابن عمرو: توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو عنك راض، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو عنك راض، وتوفي عمر رضي الله عنه وهو عنك راض، أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. وقال محمد بن عمرو: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس ذلك فيه صوت ولا ذكر. قال عمرو: أما أنت يا عبد الله؟
فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي، وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي، وأشر لي في آخرتي. ثم خرج عمرو بن العاص ومعه إبناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم. ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو، فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك؟! انصرف إلى غيره. فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني، أم والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا. فصالحه معاوية