عبد الملك فاشتراهن جميعا فلما أنس به واستنطقهن رأى منهن فصاحة وأدبا فاستقرأهن القرآن فقرأن واستنشدهن الشعر فأنشدن قصائد الكميت (الهاشميات) فقال هشام: ويلكن من قائل هذا الشعر؟ قلن: الكميت بن زيد الأسدي. قال: في أي بلد هو؟ قلن بالعراق ثم بالكوفة فكتب إلى خالد عامله في العراق إبعث إلي برأس الكميت بن زيد. فلم يشعر الكميت إلا والخيل محدقة بداره فأخذ وحبس في الحبس وكان أبان بن الوليد عاملا على واسط وكان الكميت صديقه فبعث إليه بغلام على بغل وقال: له أنت حر إن لحقته والبغل لك. وكتب له: أما بعد. فقد بلغني ما صرت إليه وهو القتل إلا أن يدفع الله عز وجل، وأرى لك أن تبعث إلي حبي - يعني زوجة الكميت وكانت ممن تتشيع أيضا - فإذا دخلت عليك تنقبت نقابها ولبثت ثيابها وخرجت فإني أرجو الأوبة لك. قال: فركب الغلام البغل وسار بقية يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبحها فدخل الحبس متنكرا وأخبر الكميت بالقصة فبعث إلى امرأته وقص عليها القصة وقال لها: أي ابنة عم؟ إن الوالي لا يقدم عليك ولا يسلمك قومك ولو خفت عليك ما عرضتك له. فألبسته ثيابها وإزارها وخمرته وقالت له: أقبل وأدبر ففعل فقالت: ما أنكر منك شيئا إلا يبسا في كتفيك، فاخرج على اسم الله تعالى. و أخرجت معه جاريتين لها فخرج وعلى باب السجن أبو الوضاح حبيب بن بدير ومعه فتيان من أسد فلم يؤبه له، ومشى الفتيان بين يديه إلى سكة شبيب بناحية الكناس فمر بمجلس من مجالس بني تميم فقال بعضهم: رجل ورب الكعبة وأمر غلامه فأتبعه فصاح به أبو الوضاح يا كذا وكذا؟ أراك تتبع هذه المرأة منذ اليوم، وأومى إليه بنعله فولى العبد مدبرا وأدخله أبو الوضاح منزله، ولما طال على السجان الأمر نادى الكميت فلم يجبه، فدخل ليعرف خبره، فصاحت به المرأة: وراءك لا أم لك. فشق ثوبه ومضى صارخا إلى باب خالد فأخبر الخبر فأحضر المرأة فقال لها: يا عدوة الله؟
احتلت على أمير المؤمنين وأخرجت عدو أمير المؤمنين لأنكلن بك ولأصنعن ولأفعلن.
فاجتمعت بنو أسد عليه وقالوا له: ما سبيلك على امرأة منا خدعت. فخافهم فخلى سبيلها وسقط غراب على الحايط ونعب فقال الكميت لأبي الوضاح: إني لمأخوذ وإن حائطك لساقط. فقال: سبحان الله هذا ما لا يكون إنشاء الله تعالى، وكان الكميت خبيرا بالزجر