ومحمدة عظيمة أبقت له ذكرى خالدة وكل من تلكم المواقف شاهد صدق على خالص ولائه و قوة إيمانه، وصفاء نيته، وحسن عقيدته، ورسوخ دينه، وإباء نفسه، وعلو همته، وثباته في مبدئه (العلوي) المقدس، وصدق مقاله للإمام السجاد زين العابدين عليه السلام:
إني قد مدحتك أن يكون لي وسيلة عند رسول الله ويعرب عن ذلك كله صريح قوله:
للإمام الباقر محمد بن علي عليهما السلام: والله ما أحبكم لعرض الدنيا وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله وما أوجب الله علي من الحق. وقوله الآخر عليه السلام:
ألا والله لا يعلم أحد أني آخذ منها حتى يكون الله عز وجل الذي يكافيني. وقوله للإمامين الصادقين عليهما السلام: والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيت من هو في يديه ولكني أحببتكم للآخرة. وقوله لعبد الله بن الحسن بن علي عليه السلام: والله ما قلت فيكم إلا لله وما كنت لآخذ على شئ جعلته لله مالا ولا ثمنا. وقوله لعبد الله الجعفري: ما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله، ولو أك لآخذ لكم ثمنا من الدنيا.
وقوله لفاطمة بنت الإمام السبط: والله إني لم أحبكم للدنيا. وهذا شأن الشيعة سلفا وخلفا، وشيمة كل شيعي صميم، وأدب كل متضلع بالنزعات العلوية، وروح كان علوي جعفري، وهذا شعار التشيع ليس إلا. وبمثل هذا فيعمل العاملون.
وكان أئمة الدين ورجالات بني هاشم يلحون في أخذ الكميت صلاتهم، و قبوله عطاياهم، مع إكبارهم محله من ولائه، واعتنائهم البالغ بشأنه، والاحتفاء و التبجيل له، والاعتذار عنه بمثل قوم الإمام السجاد صلوات الله عليه له: ثوابك نعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك. وهو مع ذلك كله كان على قدم وساق من إباءه واستعفاءه إظهارا لولاءه المحض لآل الله، وقد مر أنه رد على الإمام السجاد عليه السلام أربعمائة ألف درهم وطلب من ثيابه التي تلي جسده ليتبرك بها. ورد على الإمام الباقر مائة ألف مرة، وخمسين ألف أخرى وطلب قميصا من قمصه.
ورد على الإمام الصادق ألف دينار وكسوة واستدعى منه أن يكرمه بالثوب الذي مس جلده. ورد على عبد الله بن الحسين ضيعته التي أعطى له كتابها وكانت تسوى بأربعة آلاف دينار. ورد على عبد الله الجعفري ما جمع له من بني هاشم ما كان يقدر بمائة ألف درهم.