على أن يقيم الآخر من مكانه غلبه وإلا فقد غلب. فقال له: ماذا تريد؟ تجلس أو أجلس؟
فقال له الرومي: بل اجلس أنت. فجلس محمد بن الحنفية وأعطى الرومي يده فاجتهد الرومي بكل ما يقدر عليه من القوة أن يزيله من مكانه أو يحركه ليقيمه فلم يقدر على ذلك ولا وجد إليه سبيلا، فغلب الرومي عند ذلك وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنه قد غلب، ثم قام محمد بن الحنفية فقال للرومي: اجلس لي. فجلس وأعطى محمدا يده فما أمهله أن أقامه سريعا ورفعه في الهواء ثم ألقاه على الأرض، فسر بذلك معاوية سرورا عظيما، ونهض قيس بن سعد فتنحى عن الناس ثم خلع سراويله وأعطاها لذلك الرومي الطويل فبلغت إلى ثدييه وأطرافها تخط بالأرض، فاعترف الرومي بالغلب وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية.
يستفيد القارئ من أمثال هذه الموارد من التاريخ أن أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم كانوا هم المرجع لحل المشكلات من كل الوجوه كما أن مولاهم أمير المؤمنين عليه السلام كان هو المرجع الفذ فيها لدى الصدر الأول.
وفاته قال الواقدي وخليفة بن خياط والخطيب البغدادي في تاريخه 1 ص 179 وابن كثير في تاريخه 8 ص 102 وغيرهم بكثير: إنه توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية.
فإن عدت سنة وفاة معاوية من سني خلافته فالمترجم له توفي في سنة ستين، وإلا ففي تسع وخمسين، ولعل هذا منشأ ترديد ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في تاريخ وفاته بين السنتين، ففي الأول: إنه توفي سنة ستين. وقيل تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وفي الثاني بالعكس، وذكر ابن الجوزي سنة 59 وتبعه ابن كثير في تاريخه، وهناك قول لابن حبان متروك قال: إنه هرب من معاوية ومات سنة 85 في خلافة عبد الملك. ذكره ابن حجر في الإصابة 3 ص 249، واستصوب قول خليفة ومن وافقه.
بيت قيس كان في العصور المتقادمة آل قيس من أشرف بيوتات الأنصار، وما زال منبثق أنوار العلم والمجد في أدواره، بين زعيم، وحافظ، وعالم، ومحدث، ومشفوع بالصلاح