ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية.. وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ في كتاب المعاني، وقال الراوي: وأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا، فلم يزل يمليه حتى أتمه..
وكان سبب إملائه كتاب المعاني: أن أحد أصحابه - وهو عمر بن بكير كان يصحب الحسن بن سهل - المقدم ذكره - فكتب إلى الفراء أن الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني فيها جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا، وتجعل في ذلك كتابا يرجع إليه فعلت. فلما قرأ الكتاب قال لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي عليكم في القرآن، وجعل لهم يوما، فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فقال له:
اقرأ. فقرأ فاتحة الكتاب، ففسرها حتى مر في القرآن كله على ذلك، يقرأ الرجل والفراء يفسره، وكتابه هذا نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن لأحد أن يزيد عليه.
وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانها له، فتنازعا أيهما يقدمانها له، فاصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا فقدماها..
وقال الخطيب أيضا: كان الفقيه محمد بن الحسن ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوما جالسا عنده فقال له الفراء: قل رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره الأسهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فأسألك عن باب من أبواب الفقه، فقال: هات على بركة الله تعالى، قال: ما تقول في رجل صلى فسهى فسجد سجدتين للسهو فسهى فيهما؟ ففكر الفراء فيهما ساعة ثم قال: لا شئ عليه. فقال له محمد: ولم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير