تنكبوا الطرق، واتخذوا الماء طيبا وطهورا، أنفسهم متعوبة، وأبدانهم مكدودة والناس منهم في راحة.
فهم عند الناس شرار الخلق، وعند الله خيار الخلق، إن حدثوا لم يصدقوا وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا، قلوبهم خائفة وجلة من الله، ألسنتهم مسجونة، وصدورهم وعاء لسر الله، إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا، وإن لم يجدوا له أهلا وألقوا على ألسنتهم أقفالا غيبوا مفاتيحها، وجعلوا على أفواههم أوكية، صلب صلاب أصلب من الجبال لا ينحت منهم شئ، خزان العلم ومعدن الحكمة، وتباع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أكياس يحسبهم المنافق خرسا عميا بلها وما بالقوم من خرس ولا عمى ولا بله.
إنهم لأكياس فصحاء، علماء حلماء، حكماء أتقياء، بررة، صفوة الله أسكتهم الخشية لله، وأعيتهم ألسنتهم خوفا من الله، وكتمانا لسره، وأشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم، يا كرباه لفقدهم، ويا كشف كرباه لمجالستهم، اطلبوهم فان وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم وفزتم بهم في الدنيا والآخرة.
هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر، حليتهم طول السكوت، وكتمان السر والصلاة والزكاة والحج والصوم، والمواساة للاخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم ومحبتهم، يا طوبى لهم وحسن مآب، وهم وارثو الفردوس، خالدين فيها، ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان، وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان، فذلك قول أهل النار " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار " (1) فم أشرار الخلق عندهم، فيرفع الله منازلهم حتى يرونهم، فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون " يا ليتنا نرد " (2) فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الأخيار، وكنا نحن الأشرار، فذلك حسرة لأهل النار.
بيان: " إنكار الأرض والسماء " أن يشاهدوا فيهما آثارا غريبة لم يروا فيهما