الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج ١ - الصفحة ٤١
3 - مقابلة الكتاب بجملة من الكتب المعتبرة التي نقلت عن مصادر الكتاب كنفس الوسائل والوافي والبحار. (1)
(١) وتجدر الإشارة إلى وجه مقابلة الكتاب بالكتب التي تشترك مع كتابنا في المصادر مع أنه غير معهود من طريقة المحققين وربما يعد ذلك عملا لغوا أجنبيا عما ينبغي فعله لتحقيق كتاب.
ولكن لنا حجة في فعلنا هذا نذكره عل أن ينفتح بسببه باب للمحققين أثناء عملهم فنقول:
إن الكتب التي وصلت إلينا فإنها لم تصل بنسخها الأصلية من مصنفيها عادة وإنما الموجود فيما بأيدينا نوعا، هي نسخ مأخوذة من نسخة المصنف، بواسطة أو وسائط أو بدونها والذي أوجب اعتبار تلك النسخ الواصلة هو اعتبار المستنسخ ووثاقته أو قراءة النسخة على مصنفيها الأجلاء ومقابلتها وكلما اشتملت على قرائن تدل على عرضها على عدد أكثر من أهل الفن، كان اعتبار النسخة أكثر وربما كان لقدم النسخة وقربها من عصر المؤلف وقلة الواسطة دخل في زيادة اعتبار النسخة هذا.
بيد أن جملة من الكتب لشدة الحاجة إليها مع بعد عهد مؤلفيها وقدم عصرهم تعتبر نسخها متواترة يوثق بها أكثر مما يوثق بكتاب قريب الصدور ليس له ذلك الشأن.
وذلك مثل جملة من كتب الحديث سيما فيما كان المؤلف حبرا عظيما مرموقا له تلامذة يقرؤون الحديث على شيخهم.
ولما كانت الكتب الأربعة للمشايخ الثلاثة مشتملة مع حسن السليقة في الترتيب والنظم على عامة ما يحتاج إليه المكلف في أصوله وفروعه وعمله ومعاشرته، تلقتها الشيعة منذ أوائل عصر الغيبة وحتى عصر صاحب الوسائل بالقبول فكان قراءة هاتيك الكتب أمرا متعارفا شايعا بين العلماء والطلبة في كل عصر ومكان وصعق وزمان.
وربما تكرر قراءة كتاب واحد على أكثر من شيخ تكثيرا للإسناد ولطريق النقل والرواية.
فلذا كانت هذه الكتب متواترة عن مؤلفيها معلومة التصنيف منهم إلا فيما اختلفت نسخ الرواية الواحد منها في مورد في المتن أو السند وكانت هذه كالناسخة لغيرها من الكتب و لسقوطها عن الاشتهار في هذه الأعصار حتى ربما لا يطلع على بعض تلك الكتب إلا الأوحدي ممن له خبرة بالفهارس والمصنفين مع أن الكتاب ربما كان في عصره كالرسائل العملية في عصرنا موردا لمراجعة الشيعة والمكلفين ومحطا لعمل الطائفة.
وعليه فيشكل الاعتماد على كثير من النسخ للكتب المعلومة التصنيف لجماعة من العلماء و إن كانت تلك الكتب مصادر للكتب الأربعة أيضا، فإن اعتبار الكتاب، لا يقتضي اعتبار النسخة الواصلة إلينا فيما لم يوثق بمطابقة النسخة للأصل.
ولذا ربما يكون كتاب ناقل عن مصدر سندا للنسخة التي تعنون بذلك المصدر.
فيعتبر الكافي مثلا أو التهذيب سندا لنسخة كتاب الزهد لحسين بن سعيد مع نقل مثل التهذيب عن كتاب الحسين بن سعيد.
ويعتبر التهذيب أحيانا سندا لنسخة الكافي مع كونه مصدرا له لأن مصدر التهذيب هو نفس الكافي لا النسخ الموجودة فلا تقصر نسخة التهذيب في نقله عن الكافي اعتبارا عن نسخة الكافي التي بأيدينا.
ويكون بين نقل التهذيب عن الكافي وبين النسخة الموجودة من الكافي تعارض عند الاختلاف لكون التهذيب في نقله عن الكافي نسخة من الكافي كسائر نسخ الكافي.
وعليه فإذا كان نقل صاحب الوسائل عن الكافي يختلف عن ما هو الموجود في نسخ الكافي الموجودة بأيدينا، فلا نرجع إلى نسخ الكافي ونطرح نقل الوسائل بحجة أن الكافي هو مصدر الوسائل، وذلك لما أن نسخة الوسائل يعتبر نسخة من الكافي أيضا وأن كان الكافي مصدرا لها.
بل المنقول عن سيدنا الأستاذ الخوئي قدس سره أنه كان يقدم نقل الوسائل للكافي على الموجود من نسخة الكافي بحجة أن صاحب الوسائل له سند إلى الكليني فيكون نقله عن الكافي بالإسناد بخلاف النسخ الموجودة من الكافي فأن نسبتها إلى الكليني باعتبار الشياع والتواتر والوثوق ولا وثوق مع نقل مخالف لصاحب الوسائل.
هذا ولكنه مبني على أن يكون سند صاحب الوسائل إلى النسخة التي ينقل منها ليكون نقله نقلا مسندا مقدما على غيره.
والظاهر أن إسناد أمثاله إلى أصل الكتاب لا النسخة وإنما يكون نقلهم من النسخ المعتبرة التي انتهت إليهم كنقلنا من النسخ ولذلك شواهد كثيرة في كلمات أصحاب الفهرست و الأسانيد. ولهذه الحجة أيضا لا ضرورة في عصرنا إلى إجازة الرواية لنقل لحديث من الكتب المعتبرة.
وعلى ما ذكرنا فإذا كان نقل الوسائل عن الكافي في عرض سائر نسخ الكافي الموجودة صح اعتبار الوسائل أيضا نسخة من الكافي في موارد نقله عن الكليني واعتبار اختلافاته معه اختلافا في نسخ الكافي مهما تطابقت سائر النسخ.
ومن هنا يتجه لنا أن نعتبر البحار أيضا نسخة من الكافي عند نقله عنه والوافي كذلك إن لم نعتبرهما مقدمة على سائر نسخ الكافي على ما ينسب إلى سيدنا الأستاذ قده كما تقدم فلا يحسن بنا أن نقتصر على سائر نسخ الكافي المطبوعة والمخطوطة لما أن مصدر الوافي والبحار هو الكافي.
وذلك لأن مصدر مثل الوافي هو أيضا نسخة من الكافي لا هذا الكافي المطبوع أو المخطوط الواصلة نسخته إلينا.
ولهذا الوجه حيث اعتبرنا البحار والوافي في موارد نقلهما عن الكافي نسخة من الكافي وفي موارد نقلهما عن التهذيبين نسخة لهما وفي موارد نقلهما عن سائر الكتب نسخة لتلك، فأنا لا نقتصر في بين مصادر الفصول المهمة على مثل العناوين التي ينقل المصنف عنها، كالكتب الأربعة بل نزيد في عداد المصادر، مثل البحار والوافي عادة.
بل ربما كان نقل مثل البحار عن بعض المصادر التي لا تكون نسختها في هذه الأعصار معروفة جدا كطب الأئمة الذي ينقل عنه في الفصول المهمة كثيرا، أكثر اعتبارا من النسخة المطبوعة من هذا الكتاب التي هي تحت اختيارنا فعلا ولا أقل من عدم قصوره عن ذلك كما هو ظاهر للمنصف الفهيم والمحقق الخبير.
فتدبر في أطراف ما ذكرناه فإنه جدير به وبالقبول حقيق.