الصراط المستقيم - علي بن يونس العاملي - ج ٣ - الصفحة ١٩٧
8 - اعتبر أبو حنيفة وضوء الكافر وغسله فخالف (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين) ولا إخلاص للكافر.
9 - جوز أبو حنيفة ومالك التيمم بالمعدن والثلج والملح ولشجر، فخالفا (فتيمموا صعيدا طيبا) (1).
(١) الصعيد: هو التراب المتصاعد من الأرض، إما بالريح أو ضرب اليد أو الرجل بها، ولذلك يطلق الصعيد على الطريق لتصاعد ترابه بضرب الأرجل، ولذلك نفسه عرفه بعض اللغويين بأن الصعيد: المرتفع من الأرض، أو ما ارتفع من الأرض) يعنون من الارتفاع التصاعد، ثم هذا التراب المتصاعد إذا نزل على وجه الأرض أيضا سمى صعيدا باعتبار ما كان ولذلك عرفه الآخرون بأن الصعيد ما على وجه الأرض، فوجه الأرض ظرف، وما عليه هو الصعيد.
وكيف كان، لا ريب أن الصعيد من الأرض ولمكان التصاعد، لا يكون إلا التراب أو الرمل أو الرماد، ولما تقيد بكونه طيبا خرج الرمل والرماد، وبقي التراب الطيب الذي يخرج نباته بإذن الله.
بقي كيفية التيمم، فالتيمم إنما هو الطلب والأخذ ولا يمكن طلب التراب المتصاعد ولا أخذه إلا بالضرب ليتصاعد التراب من وجه الأرض.
فحينئذ يكون تيمم الصعيد بأن تبسط كفيك وتضرب بهما على التراب، ليتصاعد التراب ويلتصق بباطن كفيك، فهذا معنى تيمم الصعيد، فبعد التيمم، أعني التصاق التراب المتصاعد يمتثل قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، ولم يقل فامسحوا وجوهكم ليدل إطلاقه على استيعاب الوجه، بل قال (فامسحوا بوجوهكم) يعني يكفي في المسح مسح بعض الوجه، وأما أي بعض منه فهو مطلق، والمطلق - في إطلاق القرآن العظيم - ينصرف إلى الفرد الأكمل الأشرف فإن الله طيب، ولا يقبل إلا الطيب، فالممسوح من الوجه لا يكون إلا أشرف أبعاضه، وهو الجبهة أو هي والجبينين.
ثم يجب المسح على ظاهر اليدين، وإنما قلنا ظاهر اليدين فإن التراب المتصاعد الذي ينفذ في مسام البدن، قد نفذ في باطن اليدين، وعمل فيهما ما عمل، ثم مسحنا بزائده على الجبهة والجبينين، فينصرف بتلك القرينة، مسح الأيدي إلى مسح ظاهر اليدين لا غير.
فعلى هذا لا يجوزالتيمم إلا بالتراب الخالص الجاف الذي يصلح لأن يتصاعد، و يصلح للعلوق الذي نص عليه القرآن الكريم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه). وأما اشتراط كونه طاهرا فهو قيد زائد، فإن التراب إذا جف وصلح لأن يتصاعد يطهر بجفافه بنفسه، وإذا كان نديا لم يكن صعيدا.