وفي الجمع أيضا أن لله مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى خلقه يتراحمون بها وبها تعطف الوحوش على أولاده، وأخر لنفسه تسعة وتسعين، يرحم بها عباده يوم القيامة وفيه أيضا يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، وجعت فلم تطعمني، وعطشت فلم تسقني، فيقول: كيف ذلك وأنت رب العالمين؟ فيقول: مرض فلان فلم تعده، واستطعمك فلان شيئا فلم تطعمه، واستسقاك فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو فعلت ذلك لوجدته عندي، فانظر ما في شفقته عليهم أن جعل كالواصل إليه ما يصل إليهم.
وفيه لو نام رجل في أرض دوية (1) فانتبه فلم يجد راحلته ولا زاده، فطلبهما حتى اشتد جهده، فرجع فنام ليموت فانتبه فرأهما عنده، فالله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته وزاده، فكيف يليق بالرحيم المتعالي أن يقول: هؤلاء إلى النار ولا أبالي.
فصل * (فيما يلزمهم من القول في عدم الاستطاعة) * يلزمهم أن لا يقدر الكافر المأمور بالإيمان عليه، وأن يذهب الفرق بين كفره وسواده، ويلزم أن يكون فقده لقدرة الإيمان، كفقده لآلة الفعل، فيكون معذورا كفاقد الآلة ويلزم أن يتساوى الزمن والصحيح في العذر، لترك المشي، ويتساوى الكائن على نهر بالعاجز عن الماء، فيعذر في التيمم، فإذا صلى وحلف بطلاق زوجته أنه لا يقدر على الماء أن تصح صلاته، ولا تطلق امرأته.
وألزم سلام الفارسي بذلك فالتزم بطلاق امرأته، ويلزم أن لو حملت ذرة خردلة عجز جبريل القادر على قلب المدن عن حملها، ويلزم أن الأنبياء لو قدروا على الكفر لكانوا أكفر خلق الله وأن إبليس والطغاة لو قدروا على الإيمان لكانوا أفضل عباد الله، وذلك من أسوء الثناء عليهم، وأحسن الثناء على العصاة.