مجد باذخ، تعدى شرف الأفلاك، وتردى به شرف الأملاك.
قال الجاحظ:
رأينا الرئيس الكبير اختار أبا بكر وزيرا وصاحبا ومعينا، قلنا: هذا بهت محض، فقد أسند ابن مردويه منهم برجاله أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من ربه عليا وزيرا ولا يطلب ذلك إلا بإذن الله، حيث قال: (وما ينطق عن الهوى (1) وفي رواية الثعلبي في حديث الدار أنه وازره وأما معونة أبي بكر فظاهرة من هربه بخيبر ومجاهدته بحنين، وفراره بأحد، وقتله شجعان بدر، وغير ذلك من وقايعه المشهورة!
ومنها: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، قلنا: ولو وقعت لم توجب الخلافة، ولأنه قد روي أنه عليه السلام قال قبيل وفاته: برئت إلى كل خليل من خلته.
إن قالوا: نحن نثبت الخلة فتقدم، قلنا: ونحن نثبت البراءة فتقدم، إذ البراءة تنسخ الخلة.
قالوا: الأصل في الخلة عدم الناسخ، قلنا: الأصل عدم الخلة.
ومنها: ما رووه من قول النبي صلى الله عليه وآله: ما طلعت شمس على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر، قلنا: هذا مما تفردتم به، فلا يحكم بصحته، بل لم يذكر في صحاحكم، ولا هو متواتر عندكم، ولا دلالة فيه لجواز طلوعها على مساويها، ولأن لفظة طلعت ماضية، فجاز طلوعها فيما بعد على من هو أفضل منه.
إن قالوا: فلا يحكم بصحة ما تفردتم به، قلنا: لكم ذلك في غير المتواتر أما فيه فلا، ولأن أكثر أحاديثنا تروونها ويعز على أحاديثكم مشاركتنا فيها على أن هذا الحديث ينقضه قول أبي بكر وليتكم ولست بخيركم، وكيف ينكر قول النبي صلى الله عليه وآله: إنه خير، ويقول هو: إني لست بخير، وهل هذا إلا رد لقوله عليه السلام.