فأحق ما اقتبسه العاقل، والتمسه المتدبر الفطن، وسعى له الموفق المصيب، العلم بالدين، ومعرفة ما استعبد الله به خلقه من توحيده، وشرائعه وأحكامه، وأمره ونهيه، وزواجره وآدابه؛ إذ كانت الحجة ثابتة، والتكليف لازما، والعمر يسيرا، والتسويف غير مقبول. والشرط من الله - جل ذكره - فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة، ليكون المؤدي لها محمودا عند ربه، مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه؛ لأن الذي يؤدي بغير علم وبصيرة، لا يدري ما يؤدي، ولا يدري إلى من يؤدي، وإذا كان جاهلا لم يكن على ثقة مما أدى، ولا مصدقا؛ لأن المصدق لا يكون مصدقا حتى يكون عارفا بما صدق به من غير شك ولا شبهة؛ لأن الشاك لا يكون له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرب مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال الله عز وجل: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) فصارت الشهادة مقبولة لعلة العلم بالشهادة، ولو لا العلم بالشهادة، لم تكن الشهادة مقبولة.
والأمر في الشاك - المؤدي بغير علم وبصيرة - إلى الله جل ذكره، إن شاء تطول عليه فقبل عمله، وإن شاء رد عليه؛ لأن الشرط عليه من الله أن يؤدي المفروض بعلم وبصيرة ويقين؛ كي لا يكونوا ممن وصفه الله، فقال تبارك وتعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر
____________________
قوله: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) (1) أي على وجه واحد كأن يعبده على السراء لا الضراء، أو على شك، أو على غير طمأنينة.
والحاصل: أنه لا يدخل في الدين متمكنا مستقرا.
والحاصل: أنه لا يدخل في الدين متمكنا مستقرا.