من الناسخات كما زعمه بعض نظرا إليه، وقال كون المنسوخات من أفراد المتشابهات وأخص منها وله وجه، وأما كون المحكمات من أفراد الناسخات وأخص منها فلا وجه له بل الأمر بالعكس ففيه قلب فليتأمل.
قوله: (إن الله عز وجل بعث نوحا) كان المراد هنا أمر أن الأول يعلم ضمنا وهو أن الله عز وجل بعث الأنبياء وقرر الإيمان والشرائع وأوجب على عباده الرجوع إليهم وعدم التقول في الدين بآرائهم، والثاني أن الإيمان في بداية بعثة كل رسول الله كان مجرد التصديق بالتوحيد والرسالة ومن مات عليه كان مؤمنا وجبت له الجنة ثم صار بعد وضع الأحكام والوعيد على مخالفتها وتكثر الأمم واستجابتهم هذا مع العمل حتى من ترك تلك الأحكام خرج من الإيمان واستحق الدخول في النار. وفيه رد على من زعم أن الإيمان إنما هو التصديق المذكور والله أعلم.
قوله: (فمن آمن مخلصا) أي من آمن بالله ونفي الشريك عنه وآمن برسوله وبما جاء به الرسول مخلصا معتقدا غير مشوب بالشك ومات عليه أدخله الله الجنة بذلك ولا يعاقبه بترك الأعمال ولا ينافي ذلك وجوبها لأن الواجب مما يستحق تاركه ذما لا ما يعاقب تاركه واستحقاق الذم لا يوجب العقوبة بل لا يوجب الذم أيضا.
قوله: (وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد) الظاهر أن ذلك إشارة إلى إدخاله في الجنة بمجرد تلك الشهادة والإقرار وإن لم يعمل، بيان ذلك أنه مؤمن وعدم إدخال المؤمن فيها ظلم لاستحقاقه إياها والله ليس بظلام للعبيد بمنعهم عن حقوقهم، وفيه مبالغة في نفي الظلم لا نفي مبالغة في الظلم على أنه لو أريد هذا لا مكن أن يقال فيه نفي للظلم بالكلية لأن كان صفة له تعالى على وجه الكمال فلو كان له ظلم كان ظلمه على وجه الكمال فإذا نفي عنه الظلم على هذا الوجه فقد نفي عنه ظلم رأسا.
قوله: (وذلك أن الله لم يكن يعذب) لعله إشارة إلى عدم تعذيبه بترك العمل حينئذ لكونه مذكورا التزاما لأن ادخاله الجنة بمجرد ذلك التصديق يستلزم عدم التعذيب بترك العمل. بيان ذلك أن الله تعالى لم يكن يعذب العبد بالمعاصي حتى يغلظ عليه فيها ويوجب لمن عمل بها النار ولما لم يغلظ عليه فيها ولم يوعده بالنار بها في ذلك الزمان لا يعذبه بها.
قوله: (فلما استجاب لكل نبي من استجاب) لعل المراد أن الإيمان بعد استجابة الأمة وكثرتهم ووضع الشرائع من الأوامر والنواهي والحدود والتغليظ علهيم بالمعاصي وعيدهم بالنار بفعلها صار عبارة عن ذلك التصديق والعمل حتى من ترك واحدا منهما كان كافرا يعذب بالنار. والشرعة والمنهاج متقاربان لأن الشرعة طريق الدين والمنهاج الطريق المستقيم والمراد بهما الأحكام