ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصايرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم، وقال لهم ألست بربكم وكأنهم قالوا بلي أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كلام الله ورسوله وفي كلام العرب ، وقال بعضهم: إن أخذ الذرية يعود إلى إحاطة اللوح المحفوظ بما يكون من وجود هذا النوع بأشخاصه وانتقاشه بذلك عن قلم القضاء الإلهي ونزل تمكين بني آدم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل والاستعداد فيهم وتمكنهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الإشهاد والاعتراف تمثيلا و تخييلا لا إخراج ولا شهادة ولاقول ولا إقرار ثمة حقيقة والفرق بين هذين القولين أن الإخراج على سبيل الحقيقة والإشهاد والجواب من باب التمثيل في الأول وكليهما من باب التمثيل في الثاني، والحق أن الإخراج والإشهاد والإقرار واخذ الميثاق بالمعاني المذكورة كلها واقعة لأنه تعالى أخرجهم وخاطبهم بقوله (ألست بربكم» وأجابوا ببلي حقيقة ولا بعد فيه نظرا إلى قدرته القاهرة وأنه تعالى جعل فيهم قوة يقدرون بها على معرفة وتوحيد نظرا في آياته وعلى الخروج مما فيهم من قوة الكمال والتكميل إلى الفعل فكان خلقهم على هذا الوجه مشابها بالإخراج والعهد والميثاق فحسن اطلاق الإخراج والميثاق على هذا الوجه على سبيل التمثيل. وهذا هو العهد القديم والعهد الأول بل لا يبعد إطلاق العهد القديم على عمله تعالى بما فيهم من تلك القوة، ثم ان بعضهم بعد الوجود العيني نقضوا الميثاق وأبطلوا تلك القوة والفطرة، وأنكروا ما أقروا به بلسان تلك القوة بحاضر لذاتهم النفسانية والوساوس الشيطانية هذا، وتفسيره (عليه السلام) يدل ظاهرا على أن إخراج الذرية من الطينة التي هي مبدأ خلق آدم (عليه السلام) وفي انطباقه على ظاهر الآية خفاء، ويمكن أن يقال: ان بني آدم كانوا كامنين في طينة آدم فكان أخراجهم منها إخراجا من ظهور بني آدم وإخراجا من ظهر آدم أيضا، أو يقال للآية ظهر وبطن وما ذكره (عليه السلام) تفسير لبطنها والله يعلم.
قوله: (إن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة) القابض جبرئيل (عليه السلام)، ونسبته إلى الله تعالى مجاز باعتبار أنه الآمر والتراب مضاف إلى التربة أو التربة بدل من قبضه، ولعل المراد بها التربة السماوية والأرضية بدليل ما سبق.
قوله: (فعركها عركا شديدا) عرك ماليدن.
قوله: (فخرجوا كالذر من يمينه وشماله) تعلقت بأصحاب اليمين الأرواح المطيعة على تفاوت درجاتهم في العزم والطاعة والانقياد وبأصحاب الشمال الأرواح العاصية كذلك فوضع كل روح في موضع يناسبه ولو لم يضع كذلك لوقع الجور وهو منزه عنه.
قوله: (أمرهم جميعا ان يقعوا في النار) من امتثل بأمره في ذلك الوقت فهو مؤمن حين كونه