(الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل) روى المنصف (رحمهم الله) في باب الرياء بإسناده عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا، ثم يذكرها فتحمي فتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء» وفي الصحاح يقال:
وفي الصحاح يقال: أبقيت على فلان إذا رعيت عليه ورحمة، ويحتمل أن يكون المقصود هنا أن رعاية العمل وحفظه عند الشروع فيه وبعده إلى الفراغ منه وبعد الفراغ إلى الخروج منه الدنيا حتى يخلص ويعفو عن الشوائب الموجبة لنقصانه أو فساده أشد من العمل نفسه، وذلك لأن خلوصه وصفاءه لا يتحقق بمجرد أن يقول أصوم مثلا قربة إلى الله وإخطار معناه بالبال واستعمال الجوارح وإلا كان المنافق باظهار كلمة الشهادة واخطار معناها مؤمنا بل لا بد مع ذلك من تأثر القلب عن العمل وانقياده إلى الطاعة واقباله إليه جل شأنه وانصرافه عن الدنيا وما فيها حتى يرى الناس كالأ باعر ولا يتحصل ذلك إلا بتحصيل الفضائل النفسانية والملكات الروحانية والاجتناب عن رذالتها، فان النفس ما دامت عارية عن تلك الملكات والفضايل ومتصفة بالملكات الخبيثة والرذائل تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل اليه وتظهره ولو بعد حين تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب فيها من تلك الصفات الرذيلة وتحصيل هذه الأمور مشكل جدا لا يتيسر الوصول إليها إلا لذوي الفطرة السلمية والفكرة المستقيمة، فقد ظهر مما قررنا أن حفظ العمل من موجبات النقص والفساد أشد وأصعب من نفس العمل. ومنه يظهر سر ما رواه العامة والخاصة عنه (عليه السلام) «نية المؤمن خير من عمله»، ثم أشار إلى تفسير العمل الخالص وخلاصة القول فيه بقوله:
(والعمل الخاص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد) حين العمل وبعده (إلا الله تعالى) تنبيها على أن الرياء وقصد المدحة والسمعة مناف للخلوص وحقيقة الرياء إرادة مدح الناس على العمل والسرور به والتقرب إليهم باظهار الطاعة وطلب المنزلة في قلوبهم والميل إلى اعظامهم له وتوقيرهم إياه واستجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه وقيامهم بمهماته وهو الشرك بالله العظيم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ثم قرأ «قل إنما أنا بشر مثلكم...» الآية.
وفي قوله «لا تريد» إشارة إلى أنه لو مدحه الناس على عمله من غير ارادته وسروره به لا يقدح ذلك في خلوص عمله بل هو من جميل صنع الله تعالى ولطفه به كما ورد في بعض وحيه «عملك الصالح عليك ستره وعلى اظهاره» وأمثال ذلك في الروايات كثيرة وإن دخله سرور باطلاع الناس ومدحهم فإن كان سروره باعتبار أنه استدل باظهار جميله وشرفه عليهم لا بحمدهم وحصول المنزلة في قلوبهم، أو باعتبار أنه استدل باظهار جميله في الدنيا على اظهار جميله في الآخرة على