شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٥٢
(الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل) روى المنصف (رحمهم الله) في باب الرياء بإسناده عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا، ثم يذكرها فتحمي فتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء» وفي الصحاح يقال:
وفي الصحاح يقال: أبقيت على فلان إذا رعيت عليه ورحمة، ويحتمل أن يكون المقصود هنا أن رعاية العمل وحفظه عند الشروع فيه وبعده إلى الفراغ منه وبعد الفراغ إلى الخروج منه الدنيا حتى يخلص ويعفو عن الشوائب الموجبة لنقصانه أو فساده أشد من العمل نفسه، وذلك لأن خلوصه وصفاءه لا يتحقق بمجرد أن يقول أصوم مثلا قربة إلى الله وإخطار معناه بالبال واستعمال الجوارح وإلا كان المنافق باظهار كلمة الشهادة واخطار معناها مؤمنا بل لا بد مع ذلك من تأثر القلب عن العمل وانقياده إلى الطاعة واقباله إليه جل شأنه وانصرافه عن الدنيا وما فيها حتى يرى الناس كالأ باعر ولا يتحصل ذلك إلا بتحصيل الفضائل النفسانية والملكات الروحانية والاجتناب عن رذالتها، فان النفس ما دامت عارية عن تلك الملكات والفضايل ومتصفة بالملكات الخبيثة والرذائل تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل اليه وتظهره ولو بعد حين تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب فيها من تلك الصفات الرذيلة وتحصيل هذه الأمور مشكل جدا لا يتيسر الوصول إليها إلا لذوي الفطرة السلمية والفكرة المستقيمة، فقد ظهر مما قررنا أن حفظ العمل من موجبات النقص والفساد أشد وأصعب من نفس العمل. ومنه يظهر سر ما رواه العامة والخاصة عنه (عليه السلام) «نية المؤمن خير من عمله»، ثم أشار إلى تفسير العمل الخالص وخلاصة القول فيه بقوله:
(والعمل الخاص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد) حين العمل وبعده (إلا الله تعالى) تنبيها على أن الرياء وقصد المدحة والسمعة مناف للخلوص وحقيقة الرياء إرادة مدح الناس على العمل والسرور به والتقرب إليهم باظهار الطاعة وطلب المنزلة في قلوبهم والميل إلى اعظامهم له وتوقيرهم إياه واستجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه وقيامهم بمهماته وهو الشرك بالله العظيم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ثم قرأ «قل إنما أنا بشر مثلكم...» الآية.
وفي قوله «لا تريد» إشارة إلى أنه لو مدحه الناس على عمله من غير ارادته وسروره به لا يقدح ذلك في خلوص عمله بل هو من جميل صنع الله تعالى ولطفه به كما ورد في بعض وحيه «عملك الصالح عليك ستره وعلى اظهاره» وأمثال ذلك في الروايات كثيرة وإن دخله سرور باطلاع الناس ومدحهم فإن كان سروره باعتبار أنه استدل باظهار جميله وشرفه عليهم لا بحمدهم وحصول المنزلة في قلوبهم، أو باعتبار أنه استدل باظهار جميله في الدنيا على اظهار جميله في الآخرة على
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428