رؤس الاشهاد أو باعتبار أنهم يحبون طاعة الله تعالى وميل قلوبهم إليها فلا يقدح ذلك في الخلوص وإن كان باعتبار رفع منزلته عندهم وتعظيمهم إياه إلى غير ذلك من التسويلات النفسانية والتدليسات الشيطانية فهذا رياء وشرك محبط للعمل وناقل له من كفة الحسنات إلى كفة السيئات ومن ميزان الرجحان إلى ميزان الخسران، ولذلك ورد في كثير من الروايات الأمر باخفاء العمل واستاره حفظا له عن الرياء المنافي لإخلاصه المفسد له بالكلية، وظاهر هذا التفسير يدل على أن قصد الثواب أو الخلاص من العقاب لا ينافي الخلوص كما يدل عليه كثير من الرويات مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من ترك معصية مخافة الله عز وجل أرضاه يوم القيامة» وقوله «قال الله تعالى «لا يتكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي - الحديث» وذهب جماعة من العلماء إلى أنه ينافي الاخلاص ويفسد العمل ودليلهم ضعيف والاحتياط ظاهر.
قوله: (والنية أفضل من العمل) النية في اللغة عزم القلب على أمر من الأمور، في العرف إرادة ايجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا، وتلك الإرادة إذا تحققت فيه تسرى إلى الأعضاء وتحركها إلى افعالها، وهي أفضل الاعمال، وإذا ضم هذا مع قوله (عليه السلام): «أفضل الاعمال أحمزها» يفيد أن النية أحمزها، وهو كذلك لأن النية الخالصة يتوقف على قلع القلب عن حب الدنيا ونزعه عن الميل إلى ما سوى الله تعالى، وهذا أشق أشياء على النفس. ولهذا (صلى الله عليه وآله وسلم): «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» حيث عد الجهاد الذي هو أشق الاعمال البدنية أصغر من جهاد النفس وصرف وجهها عن غير الله لأنه أشق والأشق أفضل لما مر. على أن المراد نية المؤمن وهي أدوم وثمرتها أعظم من الاعمال لأن نيته أن لو بقي أبد الآبدين أن يكون مع الايمان بالله والطاعة له وهذه النية من لوازم الايمان ودائمة لا تنقطع بخلاف العمل فإنه ينقطع ولو بقي إلى مائة سنة أو أزيد وثمرتها الخلود في الجنة.
والذي يدل عليه ما روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يعصوا الله أبدا، وانما خلد أهل الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا (قل كل يعمل على شاكلته» قال:
«على نيته» فالعمل تابع النية في الرد والقبول والكمال والنقصان، وفرع لها وهذا وجه آخر لكونها أفضل من العمل لأن الأصل أفضل من الفرع ومن أراد أن يعلم وجوها آخر لأفضليتها فليرجع إلى ما ذكره الشيخ في الحديث السابع والثلاثين من الأربعين.
قوله: (ألا وأن النية هي العمل) لما كان نظام العمل وكماله ونقصانه وقبوله ورده تابعة للنية ومسببة عنها بالغ في حمل العمل عليها بحرف التنبيه وحرف التأكيد واسمية الجملة وتعريف