شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٤٨
أيضا روى مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال «الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف» قال القرطبي: الرفيق هو الكثير الرفق والرفق يجئ بمعنى التسهيل وهو ضد العنف والتشديد والتعصيب وبمعنى الارفاق وهو اعطاء ما يرتفق به وبمعنى التأني وعدم العجلة وصحت نسبة هذه المعاني إلى الله سبحانه لأنه المسهل والمعطى وغيره المعجل في عقوبة العصاة.
أقول للرفق معنى آخر يصح له تعالى أيضا وهو أحكام العمل، قال في المصباح رفقت العمل من باب قتل أحكمته ومعنى يحب الرفق أنه يأمر به ويحض عليه ويريد وصدوره منهم ويثيبهم له ولما أشار إجمالا إلى أنه تعالى رفيق أشار إلى بعض جزئيات رفقه.
(فقال فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم) السل والتسليل اخراج الشيء برفق تقول سللت السيف إذا أخرجته من غمده، والضغن الحقد والعداوة والبغضاء، تقول ضغن صدره ضغنا من باب تعب أي حقد، والاسم الضغن والجمع الأضغان مثل حمل وأحمال، ولعل المراد بتسليلها إخراجها بالرفق والتدريج عن قلوبهم وتوفيقهم على دفعها باستعمال أسبابه وعدم تكليفهم به دفعة فإن دفعها دفعة صعب عليهم.
(ومضادتهم لهواهم وقلوبهم) (1) والأسف على فوات الدنيا والغضب والغيظ والغرة وغيرها وبين القلوب العاقلة المقتضية للأخلاق الفاضلة مضادة ترديد كل واحدة الغلبة على الأخرى والله سبحانه لرفقه بهم أمرهم برفعها وإخراجها على سبيل التدريج لا دفعة لئلا يضعف ذلك عليهم.
(ومن رفقه بهم أنه يدعهم على الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم لكيلا يلقى عليهم عرى الإيمان

1 - قوله «ومضادتهم لهواهم وقلوبهم» الهوى هو القوة الواهمة وما يتفرع عليها كالشهوة والغضب والطيش، والقلب القوة العاقلة وما ينشعب منها كالحلم والرفق والتثبت والتؤدة وتلم يجعل الواهمة في الإنسان إلا لمصلحته ولو لم يكن الشهوة وحب المنافع لم يطلب الانسان الطعام والنكاح ولم يتحمل مشقة المكاسب وفسد العالم وخربت البلاد وزال العمران ولو لم يكن الغضب والتنفر عن المضار لم يدفع أحد عن عرضه وماله ونفسه وفسد العالم أيضا، ولو لم يكن العقل واسترسل الناس في طلب شهواتهم واتبعوا عواطفهم مطلقا لم يترتب الغرض المقصود من خلقة الإنسان بل كانوا كسائر الحيوانات ونوعا من أنواعها فرفق الله بهم وجعل فيهم الهوى والقلب وسلط القلب أي العقل والقوة الناطقة على الهوى أي الوهم ليصلحه بالرفق والمداراة ولم ينزع العقل ولا الواهم عنهم حتى يقهرهم على الخير والشر رفقا بهم. (ش)
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»
الفهرست