البصريين وصل واشتقاقه من اليمين وهو البركة وعند الكوفيين قطع لأنه جمع يمين عندهم وقد يختصر منه فيقال وأيم الله بحذف النون وفيها لغات كثيرة وتفتح همزتها وتكسر ثم اختصر ثانيا فقيل م الله بضم الميم وكسرها وقيل أيم الله اسم برأسه موضوع للقسم. ولما ذكر حال هؤلاء أشار إلى حال من اتصف بالمداراة بقوله (وإن قوما من قريش حسنت مداراتهم فالحقوا بالبيت الرفيع) وهو بيت الشرف والمجد والطاعة والتقوى ومنه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «سلمان منا أهل البيت» ومحال إن يريد به بيت النسب لأنه منزه عن الكذب، وقوله اتبعوني تكونوا بيوتا أي تشرفوا وذلك لأن البيت في عرف اللغة يعبر به عن الشرف والمجد كما يقال البيت في بنى فلان أي الشرف والمجد فيهم، وإلى جميع ما ذكر أشرا أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «رب بعيد أقرب من قريب وقريب أبعد من بعيد» ثم قال (من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يد واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة) هذا مثل ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه أيدي كثيرة ومن تلن حاشيته (يعني جانبه) يستدم من قومه المودة» قال السيد رضي الدين رضى الله عنه وما أحسن هذا المعنى الذي اراده (عليه السلام) بقوله: «يقبض يده عن عشيرته - إلى تمام الكلام - فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة فإذا احتاج إلى نصرتهم واضطر إلى مرافدتهم ومعاونتهم قعدوا عن نصره وتثاقلوا عن صوته واستغاثته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الاقدام الجمة. وقال بعض الأفاضل تقريره ان الإنسان لما كان انتفاعه بالأيدي الكثيرة أتم وأولى بصلاح حاله من النفع الحاصل له بقبض يده عن النفع بها وجب عليه أن يستجلب بمد يده بالنفع مد الأيدي الكثيرة إلى نفعه وإلا لكان بسبب طلبه لنفع ما من امساك يدا والواحدة عنهم المستلزم لا مساك أيديهم الكثيرة عنه مضيعا على نفسه منافع عظيمة فيكون بحسب قصده لنفع ما مضيعا لما هو أعظم فيكون مناقضا لغرضه، وذلك جهل وسفه، وقوله «ومن تلن» من تمام تأديب الأغنياء لما يعود إليهم نفعه من التواضع ولين الجانب للخلق فاستدرجهم إلى التواضع بذكر ثمراته اللازمة عنه التي هي مطلوبة لكل عاقل وهي استدامة مودة الناس المستلزمة لنفعهم ولعدم مضرتهم المستلزمين لصلاح المتواضع فيما يقصده وبمثل ذلك أدب الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» وظاهر أن غايته المذكورة وثمرته المطلوبة لا تحصل عند جفاوة الخلق والتكبر كما أشار إليه تعالى بقوله (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».
(٣٤٦)