وكميتها وتفاوتها في قبول الكمال ما اختلف اثنان ولا يعير صاحب الكمال صاحب النقص (1) وهذا لا ينا في تعيير من بدل فطرته الأصلية وغير استعداده الذاتية بقبح أعماله وسوء أفعاله وترك السعي فيما خلق له وطلب منه ويليق به، ومذام الشرع كلها من هذا القبيل.
قوله: (قال كن ماء عذبا) كلمة كن إشارة إلى ارادته وجود ما فيه حكمة مصلحة وقدرته عليه من غير لفظ ولا صوت ولا نداء ويفهم منه ان الماء العذاب أصل المؤمن ومنه شرافته ولينته وأن الماء الأجاج وهو بالضم الماء الملح الشديد الملوحة أصل الكافر ومنه خساسته وغلظته وامتزاج المائين سبب لتحقق القدرة على الخير والشر والقوي القابلة للضدين، وتولد المؤمن من الكافر بالعكس لما في أحدهما من أجزاء الاخر وصفاته ورايحته، وقد مر شئ من سر الامتزاج آنفا ولعل خلق الجنة والنار من المائين إشارة إلى أنهار الجنة وطراوة أشجارها من الماء الأول ومياه النار ونمو أشجارها كالزقوم من الماء الثاني قال الله تعالى أنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤس الشياطين.
قوله: (ثم أخذ طينا من أديم الأرض) المراد بالطين ما امتزج بالمائين وخمر بهما كما سيجئ، وبأديم الأرض ما ظهر منها، وبالأرض ما يشمل أرض النار وأرض الجنة الغرض من عركه ودلكه إخراج مادة كل من المؤمن والكافر عن الأخرى تميزها عنها وإخراج كل واحد منهما من مادته كما أشار إليه بقوله: «فإذا هم كالذر يدبون» وجه التشبيه الصغر والحركة فقال لأصحاب اليمين إلى الجنة، أي سيروا إلى الجنة متلبسين بسلام مني وبركات أو سالمين من الموت والآفات. وقال