ما علمه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أن ابن ملجم قاتله " مما لم يحن "، أي يحضر وقت " تعرضه "، أي التحرز منه، فإن التعرض للعلم بوقوع مكروه لا معنى إلا التحرز منه، فقد استعمل " يحن " التي هي للدلالة على زمن الجواز فيه من باب واسأل القرية، فأجابه (عليه السلام) بأن " ذلك "، أي علمه بقتله في تلك الليلة " كان؛ ولكنه حين "، أي وقت وقرر فيما أمره الله به، " في تلك الليلة "، فما كان يجوز له التحرز " لتمضي مقادير الله " فيه، وليس في هذا إعانة على إهلاك نفسه إنما يكون الإعانة حيث لا يكون مأمورا بعدم التحرز وقد كان.
ومما هو صريح في هذا ما رواه الصدوق (رضي الله عنه) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) من أنه لما نقل الكاظم (عليه السلام) من دار الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى البرمكي قدمت إليه مائدة من الفضل بن يحيى في الليلة الرابعة، فرفع يده إلى السماء وقال: " يا رب إنك تعلم أني لو أكلت قبل هذا اليوم كنت قد أعنت على نفسي " فأكل فمرض ثم توفي (عليه السلام). (1) فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يكون القاتل مأثوما.
قلت: إنما يكون ذلك أن لو لم يكن القتل منهيا عنه وقد كان، ومثل هذا واقع في شريعة الإسلام، مثل رجل ادعى زوجية امرأة فأنكرت هي، فإنه مأمور بالوطء والنفقة مع أمرها بالامتناع من إطاعته حتى لو طاوعته لحدت.
فإن قلت: فلأي شيء قاتل الحسين (عليه السلام) ولم يتسلم.
قلت: لأنه كان مأمورا بذلك كما نطقت به الأخبار كما سيأتي في بابه أنه كان مأمورا بأن يقاتل حتى يقتل.
والحاصل: بعد ثبوت إمامتهم (عليهم السلام) وعصمتهم فاللائق بحال المؤمن السكوت عن البحث عن العلة في أفعالهم وأقوالهم صلوات الله عليهم.