قلت: حكاية الاجماع منقوضة بما اختاره البزدوي، واستحسنه في الفتح وينبغي اعتماده للضرورة في هذا الزمان وإلا بطلت جميع القضايا الواقعة الآن، لأنه لا تخلو قضية عن أخذ القاضي الرشوة المسماة بالمحصول قبل الحكم أو بعده فيلزم تعطيل الاحكام، وقد مر عن صاحب النهر في ترجيح أن الفاسق أهل للقضاء أنه لو اعتبر العدالة لا نسد باب القضاء فكذا يقال هنا، وانظر ما سنذكره في أول باب التحكيم. وفي الحامدية عن جواهر الفتاوي: قال شيخنا وإمامنا جمال الدين البزدوي: أنا متحير في هذه المسألة، لا أقدر أن أقول تنفذ أحكامهم لما أرى من التخليط والجهل والجراءة فيهم، ولا أقدر أن أقول لا تنفذ لان أهل زماننا كذلك، فلو أفتيت بالبطلان أدى إلى إبطال الاحكام جميعا، يحكم الله بيننا وبين قضاة زماننا، أفسدوا علينا ديننا وشريعة نبينا (ص)، لم يبق منهم إلا الاسم والرسم ا ه. هذا في قضاة ذلك الزمان، فما بالك في قضاة زماننا، فإنهم زادوا على من قبلهم باعتقادهم حل ما يأخذونه من المحصول بزعمهم الفاسد أن السلطان يأذن لهم بذلك، وسمعت من بعضهم أن المولى أبا السعود أفتى بذلك، وأظن أن ذلك افتراء عليه، وانظر ما سنذكره قبيل كتاب الشهادات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قوله: (ومنه الخ) أي من قسم أخذ القضاء بالرشوة، وهذا يسمى الآن مقاطعة والتزاما، بأن يكون على رجل قضاء ناحية فيدفع له آخر شيئا معلوما ليقضي فيها ويستقل بجميع ما يحصله من المحصول لنفسه، وذكر في الخيرية في شأنهم نظما يصرح بكفرهم. قوله: (لكن في الفتح الخ) استدراك على قوله: أو شفاعة. قوله: (أو بغيره) كزنا أو شرب خمر. قوله: (لأنها المعظم) أي معظم ما يفسق به القاضي. نهر. قوله: (استحق العزل) هذا ظاهر المذهب وعليه مشايخنا البخاريون والسمرقنديون، ومعناه أنه يجب على السلطان عزله. ذكره في الفصول، وقيل إذا ولي عدلا ثم فسق انعزل، لان عدالته مشروطه معنى، لان موليه اعتمدها فيزول بزوالها وفيه أنه لا يلزم من اعتبار ولايته لصلاحيته تقييدها به على وجه تزول بزواله.
فتح ملخصا. قوله: (وقيل ينعزل وعليه الفتوى) قال في البحر بعد نقله: وهو غريب والمذهب خلافه. قوله: (ثم صلح) أي بالطاعة أو الاسلام ط. قوله: (فهو على قضائه) مخالف لما في البحر عن البزازية أربع خصال إذا حلت بالقاضي انعزل: فوات السمع أو البصر أو العقل أو الدين ا ه. لكن قال بعده، وفي الواقعات الحسامية: الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة، فإن المكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين، ثم قال: وبه علمت أن ما مر على خلاف المفتى به. وفي الولوالجية: إذا ارتد أو فسق ثم صلح فهو على حاله، لان الارتداد فسق، وبنفس الفسق لا ينعزل، إلا أن ما قضى في حال الردة باطل ا ه.
قلت: وظاهر ما في الولوالجية أن ما قضاه في حال الفسق نافذ وهو الموافق لما مر، إلا أن يراد بالفسق في عبارة الخلاصة: الفسق بالرشوة. تأمل. قوله: (واعتمده في البحر) فيه أن الذي اعتمده