قلت: لكن قد علمت أن مختار ابن وهبان أن العداوة لا تمنع قبول الشهادة، إلا إذا فسق بها فعلم أنها قد تكون مفسقة وقد لا تكون، فقوله: وإنما تثبت الخ يريد به العداوة المانعة وهي المفسقة، ولا يخفى أن هذه تمنع القبول على العدو وعلى غيره، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في الشهادات إن شاء الله تعالى. قوله: (ووصي) أي فيما أوصى عليه، وقوله: وشريك أي فيما هو من مال الشركة ط. قوله: (والفاسق لا يصلح مفتيا) أي لا يعتمد على فتواه، وظاهر قول المجمع لا يستفتى: أنه لا يحل استفتاؤه، ويؤيده قول ابن الهمام في التحرير: الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين له، وعلى امتناعه إن ظن عدم أحدهما: أي عدم الاجتهاد أو العدالة كما في شرحه، ولكن اشتراط الاجتهاد مبني على اصطلاح الأصوليين أن المفتي المجتهد: أي الذي يفتى بمذهبه، وأن غيره ليس بمقت بل هو ناقل كما سيأتي، والثاني هو المراد هنا بدليل ما سيأتي من أن اجتهاده شرط الأولوية، ولان المجتهد مفقود اليوم.
والحاصل: أنه لا يعتمد على فتوى المفتي الفاسق مطلقا. قوله: (وله في شرحه عبارات بليغة) حيث قال: إن أولى ما يستنزل به فيض الرحمة الإلهية في تحقيق الواقعات الشرعية طاعة الله عز وجل والتمسك بحبل التقوى، قال تعالى: * (واتقوا الله ويعلمكم الله) * (البقرة: 282) ومن اعتمد على رأيه وذهنه في استخراج دقائق الفقه وكنوزه وهو في المعاصي حقيق بإنزال الخذلان فقد اعتمد على ما لا يعتمد عليه * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * (النور: 04) ا ه. قوله: (وظاهر ما في التحرير) بل هو صريحه كما سمعت. قوله: (وبه جزم في الكنز) حيث قال: والفاسق يصلح مفتيا، وقيل لا، فجزم بالأول ونسب الثاني إلى قائله بصيغة التمريض، فافهم. قوله: (لا يجتهد الخ) هذا التعليل لا يظهر في زماننا، لأنه قد يعرض عن النص الضروري قصدا لغرض فاسد، وربما عورض بالنص فيدعي فساد النص ط. قوله: (حذار نسبة الخطأ) الأولى أن يقول: حذر لما في القاموس: وحذار حذار، وقد ينون الثاني: أي احذر ط. قوله: (وشرط بعضهم تيقظه) احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو.
قلت: وهذا شرط لازم في زماننا، فإن العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتي استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله: أفتاني المفتي بأن الحق معي والخصم جاهل لا يدري ما في الفتوى، فلا بد أن يكون المفتي متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإذا جاءه السائل يقرره من لسانه ولا يقول له إن كان كذا فالحق معك وإن كان كذا فالحق مع خصمك، لأنه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن إثباته بشاهدي زور، بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه، فإذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق، وليحترز من الوكلاء في الخصومات فإن أحدهم لا يرضى إلا بإثبات دعواه