قال أحدهما بنينا العقد على المواضعة وقال الآخر على الجد فلا يصح أيضا عندهما. ثم قال: ولو قال أحدهما أعرضت والآخر لم يحضرني شئ أو بنى أحدهما وقال الآخر لم يحضرني شئ فعل أصله عدم الحضور كالاعراض: أي فيصح، وعلى أصلهما كالبناء: أي فلا يصح. قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد قوله: وإلا فلازم لكن إنما يتم هذا المفاد إذا قصدا إخلاء العقد عن شرط الوفاء. أما لو لم تحضرهما نية فقد علمت أنه باطل، وهذا المفاد صرح به في جامع الفصولين حيث قال: لو شرطا التلجئة في البيع فسد البيع، ولو تواضعا قبل البيع ثم تبايعا بلا ذكر شرط فيه جاز البيع عند أبي حنيفة إلا إذا تصادقا أنهما تبايعا على تلك المواضعة. وكذا لو تواضعا الوفاء قبل البيع ثم عقدا بلا شرط الوفاء فالعقد جائز، ولا عبرة للمواضعة السابقة ا ه. وفي البزازية: وإن شرطا الوفاء ثم عقاد مطلقا إن لم يقرا بالبناء على الأول فالعقد جائز، ولا عبرة بالسابق كما في التلجئة عند الامام، وقوله فالعقد جائز: أي بناء على قول أبي حنيفة المذكور، ولا يخفى أن الشارح مشى على خلافه، وعليه فالمناسب أن يقول: فالعقد غير جائز. قوله: (ذكرته هنا تبعا للدرر) وذكره في البحر في باب خيار الشرط، وذكر فيه ثمانية أقوال، وعقد له في جامع الفصولين فصلا مستقلا هو الفصل الثامن عشر، وذكره في البزازية في الباب الرابع، في البيع الفاسد، وذكر فيه تسعة أقوال، وكتب عليه أكثر من نصف كراسة.
مطلب في بيع الوفاء ووجه تسميته بيع الوفاء أن فيه عهدا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن، وبعض الفقهاء يسميه البيع الجائز، ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه، وبعضهم يسميه بيع المعاملة. ووجهه أن المعاملة ربح الدين وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه. قوله: (وصورته الخ) كذا في العناية. وفي الكفاية عن المحيط: هو أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بما لك علي من الدين على أني متى قضيته فهو لي ا ه. وفي حاشية الفصولين عن جواهر الفتاوى: هو أن يقول بعت منك على أن تبيعه مني متى جئت بالثمن فهذا البيع باطل وهو رهن، وحكمه حكم الرهن وهو الصحيح ا ه.
فعلم أنه لا فرق بين قوله على أن ترده علي أو على أن تبيعه مني. قوله: (بيع الأمانة) وجهه أنه أمانة عند المشتري بناء على أنه رهن: أي كالأمانة. قوله: (بيع الإطاعة) كذا في عامة النسخ، وفي بعضها بيع الطاعة، وهو المشهور الآن في بلادنا. وفي المصباح: أطاعه إطاعة: أي انقاد له وأطاعه طوعا من باب قال لغة، وانطاع له: انقاد. قالوا: ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول، يقال أمره فأطاع ا ه. ووجهه حينئذ أن الدائن يأمر المدين ببيع داره مثلا بالدين فيطيعه فصار معناه بيع الانقياد قوله: (قيل هو رهن) قدمنا آنفا عن جواهر الفتاوى أنه الصحيح.
قال في الخيرية: والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الاحكام. قال السيد الإمام: قلت للإمام الحسن الماتريدي: قد فشا هذا البيع بين الناس. وفيه مفسدة عظيمة، وفتواك أنه رهن وأنا أيضا على ذلك، فالصواب أن نجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس،