وعن هذا قال في جامع الفصولين: القاضي لا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدي إليه ويكون ذلك بمنزلة الشرط، ثم قال أقول: يحالفه ما ذكر في الأقضية الخ.
قلت: والظاهر عدم المخالفة، لان القاضي منصوص على أنه لا يقبل الهدية على التفصيل الآتي، فما في الأقضية مفروض في غيره، فيحتمل أن يكون المفتي مثله في ذلك ويحتمل أن يكون، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال. ولا شك أن عدم القبول هو المقبول. ورأيت في حاشية شرح المنهج للعلامة محمد الداودي الشافعي ما نصه: قال ع ش: ومن العمال مشايخ الأسواق والبلدان ومباشروا الأوقاف، وكل من يتعاطى أمرا يتعلق بالمسلمين انتهى. قال م ر في شرحه: ولا يلحق بالقاضي فيما ذكر المفتي والواعظ ومعلم القرآن والعلم، لأنهم ليس لهم أهلية الالزام، والأولى في حقهم إن كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الافتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون علمهم خالصا لله تعالى، وإن أهدى إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول. وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتوى: فإن كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنا قليلا، وإن كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة انتهى هذا كلامه وقواعدنا لا تأباه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأما إذا أخذ لا ليرخص له بل لبيان الحكم الشرعي، فهذا ما ذكره أولا، وهذا إذا لم يكن بطريق الأجرة بل مجرد هدية، لان أخذ الأجرة على بيان الحكم الشرعي لا يحل عندنا، وإنما يحل على الكتابة لأنها غير واجبة عليه، والله سبحانه أعلم. قوله: (السلطان والباشا) عزاه في الأشباه إلى تهذيب القلانسي. قال الحموي: وفيه فصول، إذ لا يشمل القاضي الذي يتولى منه، وهو قاضي العسكر لقضاة الأقطار. وعبارة القلانسي: ولا يقبل الهدية إلا من ذي رحم محرم أو وال يتولى الامر منه أو وال مقدم الولاية على القضاء، ومعناه أنه يقبل الهدية من الوالي الذي تولى القضاء منه وكذا من وال مقدم عليه في الرتبة، فإنه يشمل القاضي الذي تولى منه والباشا، ووجهه أن منع قبولها إنما هو للخوف من مراعاته لأجلها، وهو إن راعى الملك ونائبه لم يراعه لأجلها. قوله: (المحرم) هذا القيد لا بد منه ليخرج ابن العم. نهر. قوله: (أو ممن جرت عادته بذلك) قال في الأشباه: ولم أر بماذا تثبت العادة ونقل الحموي عن بعضهم: إنها تثبت بمرة، ثم إن ظاهر العطف أن قبولها من القريب غير مقيد بجري العادة منه، وهو ظاهر إطلاق القدوري والهداية. وفي النهاية عن شيخ الاسلام أنه قيد فيه أيضا، وتمامه في النهر. قوله: (بقدر عادته) فلو زاد لا يقبل الزيادة. وذكر فخر الاسلام: إلا أن يكون مال المهدي قد زاد، فبقدر ما زاد ماله إذا زاد في الهدية لا بأس بقبولها، فتح. قال في الأشباه: وظاهر كلامه أنه زاد في القدر، فلو في المعنى كأن كانت عادته إهداء ثوب كتان فأهدى ثوبا حريرا لم أره لأصحابنا، وينبغي وجوب رد الكل لا بقدر ما زاد في قيمة لعدم تمييزها، ونظر فيه في حواشي الأشباه.
تنبيه في الفتح: ويجب أن تكون هدية المستقرض للمقرض كالهدية للقاضي إن كان المستقرض له عادة قبل استقراضه فللمقرض أن يقبل منه قدر ما كان يهديه بلا زيادة ا ه.
قال في البحر: وهو سهو، والمنقول كما قدمناه آخر الحوالة أنه يحل حيث لم يكن مشروطا مطلقا ا ه. وأجاب المقدسي بأن كلام المحقق في الفتح مبني على مقتضى الدليل. قوله: (ولا خصومة لهما)