شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات: أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصحبتها، لان كلا منهما مجرد إسقاط اه.
مطلب في العرف الخاص والعام وقلت: وقدمنا في الوقف عن البحر أن للمتولي عزل نفسه عند القاضي، وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره، وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه، خلافا للعلامة قاسم، بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلا، وأنه لا يلزم القاضي تقريره ولو أهلا، وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه، فينبغي الابراء العام بعده ا ه: لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق، وقد مر أنه لا يجوز وليس فيما ذكر عن العيني جوازه، لكن قال الحموي: وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين على المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرع في مبسوط السرخسي، وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص وبخدمته لآخر لو قطع طرفه أو شج موضحة فأدى الأرش، فإن كانت الجناية تنقص الخدمة يشتري به عبد آخر يخدمه، أو يضم إليه ثمن العبد بعد بيعه فيشتري به عبد يقوم مقام الأول، فإن اختلفا في بيعه لم يبع، وإن اصطلحا على قسمة الأرض بينهما نصفين فلهما ذلك، ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الأرض بدل الخدمة لأنه لا يملك الاعتياض عنها، ولكنه إسقاط لحقه به، كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له ا ه. قال: فربما يشهد هذا النزول عن الوظائف بمال ا ه. قال الحموي: فليحفظ هذا فإنه نفيس جدا ا ه. وذكر نحوه البيري عند قول الأشباه:
وينبغي أنه لو نزل له وقبض المبلغ، ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك، فقال: أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الألف على خمسمائة، فإنهم قالوا: يجوز أخذ العوض على وجه الاسقاط للحق، ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول به (1)، استحقاقا خاصا بالتقرير ويؤيده ما في خزانة الأكمل: وإن مات العبد الموصى بخدمته بعد ما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز ا ه. ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل، وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا ه. كلام البيري. ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم، فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا، ثم قال: ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر، وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا، وهو الذي يظهر اه.
وحاصله: أن ثبوت حق الشفعة للشفيع وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة، وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه، لان صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا، أما حق الموصى له بالخدمة، فليس كذلك، بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره، ومثله ما مر عن الأشباه من حق القصاص والنكاح والرق حيث صح الاعتياض عنه، لأنه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه، ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه