بتقرير القاضي على وجه الأصالة لا على وجه رفع الضرر، فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة، وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه، وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الأشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص، والعرف لا يعارض النص، وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره، والرشوة لا تكون بحق. واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما، عن الخلافة لمعاوية على عوض، وهو ظاهر أيضا، وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز، ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل، بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص، بلى على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه، وأن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه. ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف، وعدم صحة الرجوع. وبالجملة فالمسألة ظنية، والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الأظهر فيها ما قلنا، فالأولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الابراء العام بعده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تنبيه: ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الأراضي ويأتي بيانها قريبا، وكذا في فراغ الزعيم عن (1) تيماره، ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ، لأنه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له، لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره، وبهذا أفتى في الإسماعيلية والحامدية وغيرهما، خلافا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع، لان الفارغ فعل ما وسعه وقدرته، إذ لا يخفى أنه غير مقصود من الطرفين، ولا سيما إذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرفه وهو خلاف قواعد الشرع فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
مطلب في خلو الحوانيت قوله: (وبلزوم خلو الحوانيت) عبارة الأشباه: أقول على اعتباره: أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفا، وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف ا ه. وقد أعاد الشارح ذكر هذه المسألة قبيل كتاب الكفالة، ثم قال قلت: وأيده في زواهر الجواهر بما في واقعات الضريري: رجل في يده دكان فغاب فرفع المتولي أمره للقاضي، فأمره القاضي بفتحه وإجارته، ففعل المتولي ذلك وحضر