صدق عليه أنه لم يتركها عند القاضي ا ه ما في المجموعة، وبه أفتى في الحامدية. ثم لا يخفى أن ترك الدعوى إنما يتحقق بعد ثبوت حق طلبها، فلو مات زوج المرأة أو طلقها بعد عشرين سنة مثلا من وقت النكاح فلها طلب مؤخر المهر، لان حق طلبه إنما ثبت لها بعد الموت أو الطلاق لا من وقت النكاح، ومثله ما يأتي فيما لو أخر الدعوى هذه المدة لاعسار المديون ثم ثبت يساره بعدها، وبه يعلم جواب حادثة الفتوى سئلت عنها حين كتابتي لهذا المحل في رجل له كدك دكان وقف مشتمل على منجور وغيره وضعه من ماله في الدكان بإذن ناظر الوقف من نحو أربعين سنة وتصرف فيه هو وورثته من بعده في هذه المدة ثم أنكره الناظر الآن وأنكر وضعه بالاذن وأراد الورثة إثباته وأثبات الاذن بوضعه، والذي ظهر لي في الجواب سماع البينة في ذلك، لأنه حيث كان في يدهم ويد مورثهم هذه المدة معارض لم يكن تركا للدعوى ونظير ذلك ما لو ادعى زيد على عمرو بدار في يده فقال له عمرو كنت اشتريتها منك من عشرين سنة وهي في ملكي إلى الآن وكذبه زيد في الشراء، فتسمع بينة عمرو على الشراء المذكور بعد هذه المدة، لان الدعوى توجهت عليه الآن وقبلها كان واضع اليد بلا معارض فلم يكن مطالبا بإثبات ملكيتها فلم يكن تاركا للدعوى، ومثله فيما يظهر أن مستأجر دار الوقف يعمرها بإذن الناظر، وينفق عليها مبلغا من الدراهم يصير دينا له على الوقف، ويسمى في زماننا مرصدا، ولا يطالب به ما دام في الدار، فإذا خرج منها فله الدعوى على الناظر بمرصده المذكور وإن طالت مدته حيث جرت العادة بأنه لا يطالب به قبل خروجه، ولا سيما إذا كان في كل سنة يقتطع بعضه من أجرة الدار، فليتأمل.
الخامس: استثناء الشارح العذر الشرعي أعم مما في الخيرية من الاقتصار على استثناء الوقف ومال اليتيم والغائب، لان العذر يشمل ما لو كان المدعى عليه حاكما ظالما كما يأتي، وما لو كان ثابت الاعسار في هذه المدة ثم أيسر بعدها فتسمع كما ذكره في الحامدية.
السادس: استثناء مال اليتيم مقيد إذا لم يتركها بعد بلوغه هذه المدة وبما إذا لم يكن له ولي كما يأتي، وفي الحامدية: لو كان أحد الورثة قاصرا والباقي بالغين تسمع الدعوى بالنظر إلى القاصر بقدر ما يخصه دون البالغين.
مطلب: إذا ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة لا تسمع السابع: استثنوا الغائب والوقف ولم يبينوا له مدة فتسمع من الغائب ولو بعد خمسين سنة، ويؤيده قوله في الخيرية: من المقرر أن الترك لا يتأتى من الغائب له أو عليه لعدم تأتي الجواب منه بالغيبة والعلة خشية التزوير، ولا يتأتى بالغيبة الدعوى عليه، فلا فرق فيه بين غيبة المدعي والمدعى عليه ا ه. وكذا الظاهر في باقي الاعذار أنه لا مدة لها، لان بقاء العذر وإن طالت مدته يؤكد عدم التزوير، بخلاف الوقف، فإنه لو طالت مدة دعواه بلا عذر ثلاثا وثلاثين سنة لا تسمع كما أفتى به في الحامدية أخذا مما ذكره في البحر في كتاب الدعوى عن ابن الغرس عن المبسوط: إذا ترك الدعوى ثلاثا وثلاثين سنة ولم يكن مانع من الدعوى ثم ادعى لا تسمع دعواه، لان ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا ا ه. وفي جامع الفتوى عن فتاوي العتابي: قال المتأخرون من أهل الفتوى:
لا تسمع الدعوى بعد ست وثلاثين سنة، إلا أن يكون المدعي غائبا أو صبيا أو مجنونا وليس لهما ولي،