التنافيذ الواقعة في زماننا لكتب الأوقاف، لان حاصلها إقامة البينة على حكم قاض بالوقف، فقولهم إن التنافيذ في زماننا ليست أحكاما إنما هو في غير الوقف الخ ا ه ملخصا.
قلت: لكن هذا ظاهر في الوقف على الفقراء وفي إثبات مجرد كونه وقفا، أما كونه موقوفا على فلان أو فلان وأن الواقف شرط كذا أو كذا فهذا حق عبد فلا بد فيه من دعواه لاثبات حقه، وكذا في إثبات شروط كما يعلم مما ذكرناه في كتاب الوقف، فتأمل.
مطلب مهم في الحكم بالموجب قوله: (وقد تعارفوا الخ) هذا من متعلقات اشتراط صحة الدعوى من خصم على خصم حاضر لصحة القضاء، وبيانه أنه إذا وقع تنازع في موجب خاص من واجب ذلك الشئ الثابت عند القاضي ووقعت الدعوى بشروطها كان حكما بذلك الموجب فقط دون غيره، فلو أقر بوقف عقار عند القاضي، وشرط فيه شروطا وسلمه إلى المتولي ثم تنازعا عند القاضي الحنفي في صحته ولزومه، فحكم بهما وبموجبه لا يكون حكما بالشروط، فللشافعي أن يحكم فيها بمقتضى مذهبه، ولا يمنع حكم الحنفي السابق، وتمامه في الأشباه. وذكر في البحر: أن القاضي إذا قضى بشئ في حادثة بعد دعوى صحيحة لا يكون قضاء فيما هو من لوازمه، إلى أن قال: فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل، فإذا قضى شافعي بصحة بيع عقار موجبه لا يكون حكما منه بأنه لا شفعة للجار لعدم حادثتها، وكذا إذا قضى حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار، وإن كانت الشفعة من واجبه لان حادثتها لم توجد وقت الحكم ولا شعور للقاضي بها، وكذا إذا قضى مالكي بصحة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه وقته فافهم، فإن أكثر أهل زماننا عنه غافلون ا ه. وكذا قال العلامة قاسم. أما كون الحكم حادثة فإحتراز عما لم يحدث بعد، كما لو حكم بموجب إجارة لا يكون حكما بالفسخ بموت أحد المتأخرين لأنه لم توجد فيه خصومة ا ه.
قلت: وقد ظهر من هذا أن المراد بالموجب هنا الذي لا يصح به الحكم هو ما ليس من مقتضيات العقد، فالبيع الصحيح مقتضاه خروج المبيع عن ملك البائع ودخوله في ملك المشتري، واستحقاق التسليم والتسليم في كل من الثمن والمثمن ونحو ذلك، فإن هذه وإن كانت من موجباته لكنها مقتضيات لازمة له، فيكون الحكم به حكما بها، بخلاف ثبوت الشفعة فيه للخليط أو للجار مثلا، فإن العقد لا يقتضي ذلك: أي لا يستلزمه، فكم من بيع لا تطلب فيه الشفعة، فهذا يسمى موجب البيع، ولا يسمى مقتضى، وهذا معنى قول بعض المحققين من الشافعية: إن الموجب عبارة عن الأثر المترتب على ذلك الشئ، وهو والمقتضى مختلفان، خلافا لمن زعم اتحادهما، إذ المقتضى لا ينفك والموجب قد ينفك، فالأول كانتقال الملك للمشتري بعد لزوم البيع، والثاني كالرد بالعيب، والموجب أعم لأنه الأثر اللازم، سواء كان ينفك أو لا ا ه. وهذا أحسن مما قاله العلامة ابن الغرس من أن موجب الشئ ما أوجبه ذلك الشئ واقتضاه، فالموجب والمقتضى في الأصل واحد، ولكن يلزم من بعض الصور أن الموجب في باب الحكم أعم، وهو التحقيق إذ لو باع مدبرة ثم تنازعا عند القاضي الحنفي فحكم بموجب ذلك البيع صح الحكم، ومعناه الحكم ببطلان ذلك البيع، ومن المعلوم أن الشئ لا يقتضي بطلان نفسه فظهر أن الحكم في هذه الصورة لا يكون حكما بالمقتضى وإلا كان