العادة إذ ذاك كذلك وقد تبدلت فتبدل الحكم، وأجيب بأن تقريره (ص) إياهم على ما تعارفوا من ذلك بمنزلة النص منه عليه فلا يتغير بالعرف، لان العرف لا يعارض النص، كذا وجه ا ه فتح. قوله:
(ورجحه الكمال) حيث قال عقب ما ذكرنا: ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف، لان قصاراه أنه كنصه على ذلك، وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص، حتى لو كان (ص) حيا نص عليه ا ه. وتمامه فيه.
وحاصله توجيه قول أبي يوسف أن المعتبر العرف الطارئ بأنه لا يخالف النص بل يوافقه، لان النص على كيلية الأربعة، ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه (ص) من كون العرف كذلك، حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لو رد النص موافقا له، ولو تغير العرف في حياته (ص) لنص على تغير الحكم.
وملخصه: أن النص معلول بالعرف، فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان، ولا يخفى أن هذا فيه تقوية لقول أبي يوسف، فافهم.
مطلب: في استقراض الدراهم عددا قوله: (وخرج عليه سعدي أفندي) أي في حواشيه على العناية، ولا يختص هذا بالاستقراض بل مثله البيع والإجارة، إذ لا بد من بيان مقدار الثمن أو الأجرة الغير المشار إليهما، ومقدار الوزن لا يعلم بالعد كالعكس. وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة المحمدية: إنه لا حيلة فيه إلا التمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف.
لكن ذكر شارحها سيدي عبد الغني النابلسي ما حاصله: أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن نحن نقول: إذا كان الذهب والفضة مضروبين، فذكر العد كناية عن الوزن اصطلاحا لان لهما وزنا مخصوصا، ولذا نقش وضبط، والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار الشرعي، وأيضا فالدرهم المقطوع عرف الناس مقداره، فلا يشترط ذكر الوزن إذا كان العد دالا عليه، وقد وقع في بعض العبارات ذكر العد بدل الوزن، حيث عبر في زكاة درر البحار بعشرين ذهبا، وفي الكنز بعشرين دينارا بدل عشرين مثقالا ا ه ملخصا. وهو كلام وجيه. ولكن هذا ظاهر فيما إذا كان الوزن مضبوطا بأن لا يزيد دينار على دينار، ولا درهم على درهم، والواقع في زماننا خلافه، فإن النوع الواحد من أنواع الذهب، والفضة المضروبين قد يختلف في الوزن كالجهادي والعدلي والغازي من ضرب سلطان زماننا أيده الله، فإذا استقرض مائة دينار من نوع فلا بد أن يوفي بدلها مائة من نوعها الموافق لها في الوزن، أو يوفي بدلها وزنا لا عددا، وأما بدون ذلك فهو ربا لأنه مجازفة، والظاهر أنه لا يجوز على رواية أبي يوسف أيضا، لان المتبادر مما قدمناه من اعتبار العرف الطارئ على هذه الرواية أنه لو تعورف تقدير المكيل بالوزن أو بالعكس اعتبر، أما لو تعورف إلغاء الوزن أصلا كما في زماننا من الاقتصار على العدد بلا نظر إلى الوزن، فلا يجوز لا على الروايات المشهورة، ولا على هذه الرواية لما يلزم عليه من إبطال نصوص التساوي بالكيل أو الوزن المتفق على العمل بها عند الأئمة المجتهدين. نعم إذا غلب الغش على النقود فلا كلام في جواز استقراضها عددا بدون وزن اتباعا للعرف، لخلاف بيعها بالنقود الخالصة، فإنه لا يجوز إلا وزنا كما سيأتي في كتاب الصرف إن شاء الله