لزوم الدفع على الأصيل بطلب الكفيل، وقد تبع الشارح في هذا التعبير صاحب البحر أخذا من عبارة الخانية، مع أنها إنما تفيد ما قلنا، فإنه قال فيها: ذكر في الأصل أنه لو كفل بمال مؤجل على الأصيل فأعطاه المكفول عنه رهنا بذلك جاز، ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطاه المكفول عنه بالمال رهنا إلى سنة كان الرهن باطلا، لأنه لم يجب المال للكفيل على الأصيل بعد، وكذا لو قال إن مات فلان ولم يؤدك فهو علي ثم أعطاه المكفول عنه رهنا لم يجز. وعن أبي يوسف في النوادر: يجوز ا ه. قوله: (وإذا حبسه له حبسه) في حاشية المنح للرملي. أقول: سيأتي في كتاب القضاء من بحث الحبس أن المكفول له يتمكن من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا ه.
مطلب فيما يبرأ به الكفيل عن المال قوله: (هذا إذا كفل بأمره الخ) تقييد لقول المصنف فإن لوزم لازمه الخ وقيده أيضا في البحر بحثا بما إذا كان المال حالا على الأصيل كالكفيل، وإلا فليس له ملازمته ا ه. وقيده في الشرنبلالية أيضا بما إذا لم يكن المطلوب من أصول الطالب، فلو كان أباه مثلا ليس له حبس الكفيل لما يلزم من فعل ذلك بالمطلوب وهو ممتنع: أي لأنه لا يحبس الأصل بدين فرعه، وإذا امتنع اللازم امتنع الملزوم. واعترضه السيد أبو السعود بمنع الملازمة، وبأنه مخالف للمنقول في القهستاني فلا يعول عليه وإن تبعه بعضهم ا ه.
قلت: وعبارة القهستاني: وإن حبس حبس هو المكفول عنه، إلا إذا كان كفيلا عن أحد الأبوين أو الجدين، فإنه إن حبس لم يحبسه به يشعر قضاء الخلاصة ا ه. ولا يخفى أن المتبادر من هذه العبارة، ما إذا كان الطالب أجنبيا والمطلوب: أي المدين أصلا للكفيل لا للطالب، وهذا غير ما في الشرنبلالية، وهو ما إذا كان المطلوب أصلا للطالب لا للكفيل، فما في الشرنبلالية تقييد لقولهم: إن للطالب حبس الكفيل، وما في القهستاني تقييد لقولهم: للكفيل حبس المكفول إذا حبس: أي إذا كان المكفول أصلا للكفيل فللطالب الأجنبي حبس الكفيل، وليس للكفيل إذا حبس أن يحبس المكفول لكونه أصله، بخلاف ما إذا كان المكفول أصلا للطالب فإنه ليس للطالب حبس الكفيل لأنه يلزم من حبسه له أن يحبس هو المكفول فيلزم حبس الأصل بدين فرعه. وقد ذكر الشرنبلالي في رسالة خاصة، وذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة ولم يجد فيها نقلا وحقق فيها ما ذكرناه، لكن ذكر الخبر الرملي في حاشية البحر في باب الحبس من كتاب القضاء أنه وقع الاستفتاء عن هذه المسألة، ثم قال: للكفيل حبس المكفول الذي هو أصل الدائن، لأنه إنما حبس لحق الكفيل ولذلك يرجع عليه بما أدى فهو محبوس بدينه، فلم يدخل في قولهم لا يحبس أصل في دين فرعه لأنه إنما حبسه أجنبي فيما ثبت له عليه ا ه ملخصا، ومفاده أن للطالب الذي هو فرع المكفول حبس الكفيل الأجنبي، لان الكفيل لا يحبس المكفول ما لم يحبسه الطالب، ولا يخفى أن المكفول إنما يحبس بدين الطالب حقيقة فيلزم حبس الأصل بدين فرعه وإن كان الحابس له مباشرة غير الفرع، نعم يظهر ما ذكره الخير الرملي على القول بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في الدين، لكن علمت أن الكفيل لا يملك الدين قبل الأداء فبقي الدين للطالب ولزم المحذور، والله سبحانه أعلم فافهم. قوله: (يوجب برأتهما) أي براءة الكفيل والأصيل وقوله: للطالب قيل متعلق بأداء.