لموكله بأي وجه أمكن، ولهم مهارة في الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق، فإذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل إلى غرضه الفاسد، فلا يحل للمفتي أن يعينه على ضلاله، وقد قالوا: من جهل بأهل زمانه فهو جاهل، وقد يسأل عن أمر شرعي وتدل القرائن للمفتي المتيقظ أن مراده التوصل به إلى غرض فاسد كما شهدناه كثيرا.
والحاصل: أن غفلة المفتي يلزم منها ضرر عظيم في هذا الزمان، والله تعالى المستعان. قوله: (لا حريته الخ) أي فهو كالراوي لا كالشاهد والقاضي، ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له. قوله:
(فيصح إفتاء الأخرس) أي حيث فهمت إشارته، بل يجوز أن يعمل بإشارة الناطق كما في الهندية.
وأفاده عموم قول المصنف ويكتفي بالإشارة منه ط. قوله: (فالأصح الصحة) لأنه يفرق بين المدعي والمدعى عليه، وقيل لا يجوز، لأنه لا يسمع الاقرار فيضيع حقوق الناس، بخلاف الأصم، وهكذا فصل شارح الوهبانية، وينبغي أن الحكم كذلك في المفتي.
فإن قلت: قد يفرق بينهما، بأن المفتي يقرأ صورة الاستفتاء ويكتب جوابه، فلا يحتاج إلى سماع.
قلت: الظاهر من كلامهم عدم الاكتفاء بهذا في القاضي، مع أنه يمكن أن يكتب له جواب الخصمين فكذا في المفتي، ويمكن الفرق بأن القضاء لا بد له من صيغة مخصوصة بعد دعوى صحيحة فيحتاط فيه، بخلاف الافتاء فإنه إفادة الحكم الشرعي ولو بالإشارة فلا يشترط فيه السماع ا ه منح ملخصا.
قلت: لا شك أنه إذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، وأما إذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم، فلا بد أن يكون صحيح السمع، لأنه لا يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله، وقد يحضر إليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتي لم يسمع ذلك منه فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه، وهذا قد شاهدته كثيرا فلا ينبغي التردد في أنه لا يصلح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضي جوابه ليحكم به، فإن ضرر مثل هذا أعظم من نفعه، والله سبحانه أعلم.
مطلب: يفتى بقول الامام على الاطلاق قوله: (ويفتي القاضي الخ) في الظهيرية: ولا بأس للقاضي أن يفتي من لم يخاصم إليه ولا يفتي أحد الخصمين فيما خوصم إليه ا ه بحر. وفي الخلاصة: القاضي هل يفتي؟ فيه أقاويل، والصحيح أنه لا بأس به في مجلس القضاء وغيره في الديانات والمعاملات ا ه. ويمكن حمله على من لم يخاصم إليه فيوافق ما في الظهيرية ومن ثم عولنا عليه في هذا المختصر. منح. وقد جمع الشارح بين العبارتين بهذا الحمل. وفي كافي الحاكم: وأكره للقاضي أن يفتي في القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله: فيتحرز منه بالباطل ا ه. قوله: (وسيتضح) لعله أراد به مسألة التسوية. تأمل.