للمطالبة بالكلية وليس هناك كفالة بالمال، وهنا المراد ثبوت كفالة المال المعلقة على عدم الموافاة مع القدرة والموت هنا محقق لكفالة المال ومثبت للضمان، فإذا جعلت الغيبة المذكورة كالموت بالمعنى المراد فيما مر وهو سقوط المطالبة بالنفس للعجز عن تسليمه لا يلزم منه ثبوت ضمان المال المعلق على عدم الموافاة مع القدرة، بل يلزم عدم ثبوته لتحقق العجز، وإن جعلت كالموت بالمعنى المراد هنا هو ثبوت الضمان نافي قولهم مع القدرة، وقد علمت أن الغيبة المذكورة عجز مناف للضمان، وأنهم لم يستثنوا من العجز إلا الموت والجنون، على أن جعلها كالموت في ثبوت الضمان خلاف ما أراده في البزازية والخلاصة لأنهما إنما ذكرا ذلك في كفالة النفس المجردة عن كفالة المال، وقد صرح أصحاب المتون وغيرهم بأن الغيبة المذكورة مسقطة للمطالبة بالتسليم وذلك مناف لثبوت الضمان: أي ضمان النفس، فلا يصح الاستدلال بتلك العبارة على كون الغيبة المذكورة مسقطة للمطالبة بالمال في مسألتنا، وإنما تسقط المطالبة بالنفس فقط، وأما المطالبة بالمال فهي حكم الكفالة الأخرى المعلقة على عدم الموافاة مع القدرة، فإذا وجد ما علقت عليه ثبتت، وإلا فلا، ومع الغيبة المذكورة لم توجد القدرة فلا تثبت المطالبة بالمال كمالا يخفى.
مطلب حادثة الفتوى فإذا علمت ذلك ظهر لك جواب حادثة الفتوى قريبا من كتابتي لهذا المحل، وهي: رجلان عليهما ديون فكفلهما زيد كفالة مال وكفلهما عند زيد أربعة رجال على أنهم إن لم يوافوه بالمطلوبين عند حلول الأجل فالمال المذكور عليهم، ثم حل الاجل وأدى زيد إلى أصحاب الديون وطالب الأربعة بالمطلوبين فأحضروا له أحدهما وعجزوا عن إحضار الآخر لكونه سافر إلى بلاد الحرب ولا يدرى مكانه.
فأجبت: بأنه لا يلزمهم المال للعجز عن الموافاة بالغيبة المذكورة، فعارضني الحاكم الشرعي بعبارة البزازية المارة فأجبته بما حررته، والله سبحانه أعلم. قوله: (كما أفاده بقوله الخ) أي أفاد بعضه لأنه لم يذكر الجنون، لكن يفهم حكمه من الموت لان المستحق عليه تسليم يكون ذريعة إلى الخصام ولا يتحقق ذلك مع الجنون كالموت. قوله: (أو مات المطلوب) يعني بعد الغد، كذا في الفتح وبهذا يزول إشكال المسألة، وهو أن شرط الضمان عدم الموافاة مع القدرة، ولا شك أنه لا قدرة على الموافاة بالمطلوب بعد موته، فإذا قيد الموت بما بعد الغد يكون قد وجد شرط الضمان قبله، لان فرض المسألة عدم الموافاة به غدا كما نبه عليه الشارح بقوله: في الصورة المذكورة أي المقيدة بالغد، لكن مفاده أنه لو لم يقيد بالغد لا يثبت الضمان بالموت مع أنه صرح في الفتح أيضا بأنه لا فرق بين المقيد والمطلق، فليتأمل.
ثم رأيت في كافي الحاكم قيد بقوله: فمات المكفول به قبل الاجل ثم حل الاجل فالمال على الكفيل، فهذا مخالف لقول الفتح: يعني بعد الغد. قوله: (في الصورتين) أي صورة عدم الموافاة مع القدرة وصورة موت المطلوب، وموت المطلوب وإن أبطل الكفالة بالنفس فإنما هو في حق تسليمه إلى الطالب لا في حق المال. بحر. قوله: (بشرط متعارف) فلو قال إن وافيتك به غدا فعلي ما عليه ثم وافى به لم يلزمه المال، لأنه شرط لزومه إن أحسن إليه، كذا في منية المفتي: يعني أنه تعليق بشرط غير متعارف. نهر. لكن في جامع الفصولين: لو قال إن وافيتك به غدا فعلي المال لم تصح الكفالة، بخلاف إن لم أوافك به غدا ا ه.