لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا، بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا وهو الملك كما قدمناه عن الفتح، وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة، بل التعريف شامل لها، ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف. أما قول المصنف الدال على التراضي فلا، لكونه ذكره صفة للايجاب، فهو بيان للواقع، فإن الأصل فيه أن يكون دليلا على الرضا، ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره. تأمل.
مطلب في حكم البيع مع الهزل قوله: (ولم ينعقد مع الهزل الخ) الهزل في اللغة: اللعب. وفي الاصطلاح: هو أن يراد بالشئ ما لم يوضع له، ولا ما صح له اللفظ استعارة، والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه، لكن لا يختار ثبوته الحكم ولا يرضاه، والاختيار: هو القصد إلى الشئ وإرادته. والرضا:
هو إيثاره واستحسانه، فالمكره على الشئ يختاره ولا يرضاه، ومن هنا قالوا: إن المعاصي والقبائح بإرادة الله تعالى لا برضاه: * (إن الله لا يرضى لعباده الكفر) * كذا في التلويح. وشرطه: أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول: إني أبيع هازلا، ولا يكتفي بدلالة الحال، إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد، فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد، فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع، أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء: أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه، فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا، لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم، حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه، هكذا ذكروا، وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه، وهو أنه لا يملك بالقبض. وأما الفاسد فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه، أما عند عدم الرضا به، فلا ا ه. منار وشرحه لصاحب البحر. فقول الشارح:
ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح، لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم، إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي الخ ا ه ط.
قلت: قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل، وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار، وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه، لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز، والباطل لا تلحقه الإجازة، وأن الباطل ما ليس منعقد أصلا، والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا بوصفه، وهذا منعقد بأصله لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه، ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها.
قلت: وهذا أولى لموافقته لما في كتب الأصول من أنه فاسد، وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما، وليس كل فاسد يملك بالقبض، ولذا قال في الأشباه: إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل: الأولى: لا يملكه في بيع الهازل كما في الأصول.
الثانية: لو اشتراه الأب مما له لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله، كذا في المحيط. الثالثة: لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به اه. وذكر