وفيه أن الزيارة أيضا ليست ماهيته الحقيقية فيرد ما مر في تفسيره بالقصد على أن الاحرام وإن كان شرطا ابتداء فهو في حكم الركن انتهاء كما سيصرح به الشارح، ولو سلم فذكر الشرط لا يخل بالتعريف بل لا بد منه لأنه لا يتحقق المعنى الشرعي بدونه كمن صلى بلا طهارة ولذا ذكروا النية في تعريف الزكاة والصوم، فافهم.
والتحقق أن تفسيره بالقصد لا يخرجه عن نظائره من أسماء العبادة، لان المراد بالقصد هنا الاحرام، وهو عمل القلب واللسان بالنية والتلبية، أو ما يقوم مقام التلبية من تقليد البدنة مع السوق كما سيأتي، فيكون عمل الجوارح أيضا، ولان قوله: بفعل مخصوص الباء فيه للملابسة، والمراد به الطواف والوقوف، فهو قصد مقترن بهذه الافعال لا مجرد القصد، فلم يخرج عن كونه فعلا مخصوصا كسائر أسماء العبادات، نعم فرقوا بين الحج وسائر أسماء العبادات حيث جعلوا القصد فيه أصلا والفعل تبعا، وعكسوا في غيره لان الشائع في المعاني الاصطلاحية المنقولة عن المعاني اللغوية أن تكون أخص من اللغوية لا مباينة لها. ولما كان الحج لغة هو مطلق القصد إلى معظم خصصوه بكونه قصدا إلى معظم معين بأفعال معينة، ولو جعل اسما للأفعال المعينة أصالة لباين المعنى اللغوي المنقول عنه، بخلاف نحو الصوم، فإنه في اللغة مطلق الامساك، فخصصوه، بكونه إمساكا عن المفطرات، بنية من الليل. وكذا في الزكاة في اللغة: الطهارة، وتزكية الشئ: تطهيره. وتزكية المال المسماة زكاة شرعا: تمليك جزء منه، فإنه طهارة له لقوله تعالى: * (تطهرهم وتزكيهم بها) * (التوبة: 301) فهي تطهير مخصوص بفعل مخصوص، وهو التمليك، فلهذا جعل القصد أصلا في تعريف الحج شرعا دون غيره وإن كان القصد شرطا في الكل، وكذا جعل أصلا في تعريف التيمم، فإنه في اللغة مطلق القصد. وعرفوه شرعا بأنه قصد الصعيد الطاهر على وجه مخصوص، وهو الضربتان، فهو قصد مقترن بفعل فلم يخرج عن كونه اسما لفعل العبد، وهذا معنى قول الزيلعي:
جعل الحج اسما لقصد خاص مع زيادة وصف كالتيمم اسم لمطلق القصد، ثم جعل في الشرع اسما لقصد خاص زيادة وصف اه. هذا ما ظهر لي في تحقق هذا المحل. قوله: (سابقا) أي على الوقوف والطواف، أما كونه من الميقات فواجب ط. قوله: (لعذر) إما لان الآية نزلت بعد فوات الوقت، أو لخوف من المشركين على أهل المدينة، أو خوفه على نفسه (ص)، أو كره مخالطة المشركين في نسكهم إذ كان لهم عهد في ذلك الوقت. زيلعي. وقدم الأول لما في حاشيته للشلبي عن الهدي لابن القيم أن الصحيح أن الحج فرض في أواخر سنة تسع. وأن آية فرضه هي قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) وهي نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، وأنه (ص) لم يؤخر الحج بعد فرضه عاما واحدا، وهذا هو اللائق بهديه وحاله (ص)، وليس بيد من ادعى تقدم فرض الحج سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع دليل واحد، وغاية ما احتج به من قال سنة ست، أن فيها نزل قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691) وهذا ليس فيه ابتداء فرض الحج وإنما فيه الامر بإتمامه إذا شرع فيه، فأين هذا من وجوب ابتدائه؟ اه. قوله: (مع علمه الخ) جواب آخر غير متوقف على وجود العذر.