وحاصله أن وجوبه على الفور للاحتياط، فإن في تأخيره تعريضا للفوات، وهو منتف في حقه (ص) لأنه كان يعلم بقاء حياته إلى أن يعلم الناس مناسكهم تكميلا للتبليغ لقوله تعالى: * (لقد صدق الله رسوله الرؤيا) * الآية، فهذا أرقي في التعليل، ولذا جعل الأول تابعا له فهو كقولك: أكرم زيدا لأنه محسن إليك مع أنه أبوك. قوله: (لان سببه البيت) بدليل الإضافة في قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * (آل عمران: 79) فإن الأصل إضافة الاحكام إلى أسبابها كما تقرر في الأصول، ولا يتكرر الواجب إذا لم يتكرر سببه ولحديث مسلم يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله اه؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله (ص): لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم قال في النهر: والآية وإن كانت كافية في الاستدلال على نفي التكرار لان الامر لا يحتمله إلا أن إثبات النفي بمقتضى النفي أولى. قوله:
(وقد يجب) أي الحج، وهذا عطف على قوله فرض. قوله: (كما إذا جاوز الميقات بلا إحرام) أي فإنه يجب عليه أن يعود إلى الميقات ويلبي منه، وكذا يجب عليه قبل المجاوزة. قال في الهداية: ثم الآفاقي إذا انتهى إلى المواقيت على قصد دخول مكة عليه أن يحرم قصد الحج أو العمرة عندنا أو لم يقصد، لقوله (ص): لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما ولو لتجارة ولان وجوب الاحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه التاجر والمعتمر وغيرهما اه.
قال ح: فتحصل من هذا أن الحج والعمرة لا يكونان نفلا من الآفاقي، وإنما يكونان نفلا من البستاني والحرمي اه.
قلت: وفيه نظر، فإن حرمة مجاوزته بدون إحرام لا تدل على أن الاحرام لا يكون إلا واجبا من الآفاقي لان الواجب كونه متلبسا بالاحرام وقت المجاوزة، سواء كان الاحرام بحج نفل أو غيره، لان الاحرام شرط لحل المجاوزة، والشرط لا يلزم تحصيله مقصودا كما مر في الاعتكاف، ونظيره أيضا أن الجنب لا يحل له دخول المسجد حتى يغتسل، فإذا اغتسل لسنة الجمعة مثلا ثم دخل جاز، مع أنه إنما نوى الغسل المسنون وإنما يجب إذا أراد الدخول، ولم يغتسل لغيره، وهنا إذا أراد مجاوزة الميقات وكان قاصدا للنسك وأحرم بنسك فرض أو منذور أو نفل كفاه لحصول المقصود في تعظيم البقعة، فإن لم يكن قاصدا لذلك بأن قصد الدخول لتجارة مثلا فحينئذ يكون إحرامه واجبا، ونظيره تحية المسجد تندرج في أي صلاة صلاها، فإن لم يصل فلا بد في تحصيل السنة من صلاتها على الخصوص، هذا ما ظهر لي، وعن هذا والله تعالى أعلم فرض الشارح تبعا للبحر والنهر تصوير الوجوب بما إذا جاوز الميقات بلا إحرام فإنه يجب عليه العود إلى الميقات ويلبي منه، ويكون إحرامه حينئذ واجبا إذا كان لأجل المجاوزة، أما لو أحرم قبلها بنسك فرض، أو نذر أو نفل فهو على ما نوى من فرض أو غيره، ولا يجب عليه إحرام خاص لأجل المجاوزة، وحينئذ فلا حزازة في عبارته، فافهم. قوله: (كما سيجئ) أي قبيل فصل الاحرام وكذا قبيل فصل الاحصار. قوله: (فإن اختار الحج اتصف بالوجوب) فيكون من قبيل الواجب المخير: أي وإن اختار العمرة اتصفت بالوجوب، وإنما تركه لعدم اقتضاء المقام إياه اه ح.