كتاب الحج لما كان مركبا من المال والبدن وكان واجبا في العمر مرة ومؤخرا في حديث: بني الاسلام على خمس أخره وختم به العبادات: أي الخالصة، وإلا فنحو النكاح والعتاق والوقف يكون عبادة عند النية، لكنه لم يشرع لقصد التعبد فقط، ولذا صح بلا نية، بخلاف أركان الاسلام الأربعة فإنها لا تكون إلا عبادة لاشتراط النية فيها، هذا ما ظهر لي. وأورد في النهر على قولهم مركب: إنه عبادة بدنية محضة، والمال إنما هو شرط في وجوده لا أنه جزء مفهومه اه.
وفيه أن كونه عبادة مركبه مما اتفقت عليه كلمتهم أصولا وفروعا حتى أوجبوا الحج عن الميت وإن فات عمل البدن لبقاء الجزء الآخر وهو المال كما سيجئ تقريره، وليس قولهم إنه مركب تعريفا له لبيان ماهيته حتى يقال: إن المال شرط فيه لا جزء مفهومه، بل المراد بيان أن التعبد به لا يتوصل إليه غالبا إلا بأعمال البدن وإنفاق المال لأجله، والصلاة والصوم وإن كانتا لا بد لهما من مال كثوب يستر عورته وطعام يقيم بنيته فإن ذلك ليس لأجلهما، بمعنى أنه لولاهما لم يفعله، ولذا لم يجعل المال من شروطهما، وجعل من شروطه، وأيضا فإن المال فيهما يسير لا مشقة في إنفاقه، بخلاف المال في حج الآفاقي، فإنه كثير فناسب أن يكون مقصودا في العبادة ولذا وجب دفعه إلى النائب عند العجز الدائم عن الافعال، ولم يجب الحج على الفقير القادر على المشي، ووجبت الصلاة والصوم على العاجز عن الساتر والسحور، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (بفتح الحاء وكسرها) بهما قرئ في السبع، وقيل الأول الاسم والثاني المصدر، ط على المنح والنهر. قوله:
(كما ظنه بعضهم) هو الزيلعي تبعا لاطلاق كثير من كتب اللغة، ونقل في الفتح تقييده بالمعظم عن ابن السكيت، وكذا قيده به السيد الشريف في تعريفاته، وكذا في الاختيار. قوله: (وشرعا زيارة الخ) اعلم أنهم عرفوه بأنه قصد البيت لأداء ركن من أركان الدين ففيه معنى اللغة، واعترضهم في الفتح بأن أركانه الطواف، والوقوف، ولا وجود للمتشخص إلا بأجزائه المشخصة، وماهيته الكلية منتزعة منها، وتعريفه بالقصد لأجل الأعمال مخرج لها عن المفهوم، اللهم إلا أن يكون تعريفا اسميا غير حقيقي فهو تعريف لمفهوم الاسم عرفا، لكن فيه أن المتبادر من الاسم عند الاطلاق هو الأعمال المخصوصة لا نفس القصد المخرج لها عن المفهوم مع أنه فاسد في نفسه، فإنه لا يشمل الحج النفل، والتعريف إنما هو للحج مطلقا كتعريف الصلاة والصوم وغيرهما، لا للفرض فقط، ولأنه حينئذ يخالف سائر أسماء العبادات فإنها أسماء للأفعال كالصلاة للقيام، والقراءة الخ، والصوم للامساك الخ، والزكاة لأداء المال، فليكن الحج أيضا عبارة عن الافعال الكائنة عند البيت وغيره كعرفة اه. ملخصا. فعدل الشارح عن تفسير الزيلعي الزيارة بالقصد إلى تفسيرها بالطواف والوقوف تبعا للبحر ليكون اسما للأفعال كسائر أسماء العبادات، ولما ورد عليه أن يكون قوله: بفعل مخصوص حشوا، إذ المراد به كما قالوا هو الطواف والوقوف تخلص عنه بتفسيره بأن يكون محرما الخ. قيل:
ولا يخفى ما فيه لأنه يلزم عليه إدخال الشرط: أي الاحرام في التعريف، فلو أبقى الزيارة على معناها اللغوي وهو الذهاب وفسر الفعل المخصوص بالطواف والوقوف لكان أولى اه.