التيمم عن حدث أكبر أو أصغر أو غسل مسنون أو وضوء مجدد أو غير ذلك مما يطلب له التيمم. فإن قيل: لم لم يجب الترتيب في الغسل ووجب في التيمم الذي هو بدله؟ أجيب بأن الغسل لما وجب فيه تعميم جميع البدن صار كعضو واحد، والتيمم وجب في عضوين فقط، فأشبه الوضوء. ولا يجب إيصال التراب إلى منبت الشعر الخفيف لما فيه من العسر، بخلاف الوضوء، بل ولا يستحب كما في الكفاية، فالكثيف أولى ولا يجب الترتيب في نقل التراب إلى العضوين بل هو مستحب، فلو ضرب بيديه التراب دفعة واحدة أو ضرب اليمين قبل اليسار ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه أو عكس جاز لأن الفرض الأصلي المسح والنقل وسيلة إليه، ويشترط قصد التراب لعضو معين يمسحه أو يطلق، فلو أخذ التراب ليمسح به وجهه فتذكر أنه مسحه لم يجز له أن يمسح بذلك التراب يديه، وكذا لو أخذه ليديه ظانا أنه مسح وجهه ثم تذكر أنه لم يمسحه لم يجز أن يمسح به وجهه ذكره القفال في فتاويه. ويجب مسح وجهه ويديه بضربتين لخبر الحاكم: التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين. وروى أبو داود: أنه (ص) تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه وبالأخرى ذراعيه. ولان الاستيعاب غالبا لا يتأتى بدونهما فأشبها الأحجار الثلاثة في الاستنجاء ولا يتعين الضرب، فلو وضع يديه على تراب ناعم وعلق بهما غبار كفى. القول في سنن التيمم ثم شرع في سنن التيمم فقال: (وسننه) أي التيمم (ثلاثة أشياء) وفي بعض النسخ ثلاث خصال بل أكثر من ذلك كما ستعرفه: الأول (التسمية) أوله كالوضوء والغسل ولو لمحدث حدثا أكبر. (و) الثاني ( تقديم اليمنى) من اليدين (على اليسرى) منهما (و) الثالث (الموالاة) كالوضوء لأن كلا منهما طهارة عن حدث، وإذا اعتبرنا هناك الجفاف اعتبرناها هنا أيضا بتقديره ماء، ومن سننه أيضا الموالاة بين التيمم والصلاة خروجا من خلاف من أوجبها، وتجب الموالاة بقسميها في تيمم دائم الحدث كما تجب في وضوئه تخفيفا للمانع. ومن سننه البداءة بأعلى وجهه وتخفيف الغبار من كفيه أو ما يقوم مقامهما وتفريق أصابعه في أول الضربتين وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين، وأن لا يرفع اليد عن العضو قبل تمام مسحه خروجا من خلاف من أوجبه. القول في مبطلات التيمم ثم شرع في مبطلات التيمم فقال: والذي يبطل التيمم بعد صحته (ثلاثة أشياء). القول في حكم رؤية الماء أو توهمه للمتيمم الأول (ما) أي الذي (أبطل الوضوء) وتقدم بيانه في موضعه. (و) الثاني (رؤية الماء) الطهور (في غير وقت الصلاة) وإن ضاق الوقت بالاجماع كما قاله ابن المنذر، ولخبر أبي داود: التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك.
رواه الحاكم وصححه، ولأنه لم يشرع في المقصود فصار كما لو رآه في أثناء التيمم ووجود ثمن الماء عند إمكان شرائه كوجود الماء، وكذا توهم الماء وإن زال سريعا لوجوب طلبه بخلاف توهم السترة لا يجب عليه طلبها، لأن الغالب عدم وجدانها بالطلب للبخل بها، ومن التوهم رؤية سراب وهو ما يرى نصف النهار كأنه ماء أو رؤية غمامة مطبقة بقربه، أو رؤية ركب طلع، أو نحو ذلك مما يتوهم معه الماء، فلو سمع قائلا يقول: عندي ماء لغائب بطل تيممه لعلمه بالماء قبل المانع، أو يقول عندي لغائب ماء لم يبطل تيممه لمقارنة المانع وجود الماء، ولو قال عندي لحاضر ماء وجب عليه طلبه منه، ولو قال لفلان ماء ولم يعلم السامع غيبته ولا حضوره وجب السؤال عنه أي: ويبطل تيممه في الصورتين لما مر من أن وجوب الطلب يبطله، ولو سمعه يقول: عندي ماء ورد بطل أيضا، ووجود ما ذكر قبل تمام تكبيرة