وإن لم يتضرر به، ولكن الصوم أفضل لما فيه من براءة الذمة وعدم إخلاء الوقت عن العبادة، ولأنه الأكثر من فعله (ص)، أما إذا تضرر به لنحو مرض أو ألم يشق عليه احتماله فالفطر أفضل لما في الصحيحين أنه (ص) رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر. نعم إن خاف من الصوم تلف نفس أو عضو أو منفعة حرم عليه الصوم كما قاله الغزالي في المستصفى. ولو لم يتضرر بالصوم في الحال ولكن يخاف الضعف لو صام وكان سفر حج أو غزو فالفطر أفضل كما نقله الرافعي في كتاب الصوم عن التتمة وأقره.
تنبيه: سكت المصنف عن صوم التطوع وهو مستحب لما في الصحيحين: من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا. ويتأكد صوم يوم الاثنين والخميس لأنه (ص) كان يتحرى صومهما وقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم. وصوم يوم عرفة وهو تاسع ذي الحجة لغير الحاج لخبر مسلم: صيام يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده وصوم عاشوراء وهو عاشر المحرم لقوله (ص):
صوم يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله وصوم تاسوعاء وهو تاسع المحرم لقوله (ص): لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبله، وصوم ستة من شوال لقوله (ص): من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر وتتابعها أفضل عقب العيد. ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم لقوله (ص): لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. وكذا إفراد السبت أو الاحد لخبر: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. ولان اليهود تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد. وصوم الدهر غير يومي العيد وأيام التشريق مكروه لمن خاف به ضررا أو فوت حق واجب أو مستحب، ومستحب لغيره لاطلاق الأدلة. ويحرم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه لخبر الصحيحين: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ومن تلبس بصوم تطوع أو صلاة فله قطعهما، أما الصوم فلقوله (ص): الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما الصلاة فقياسا على الصوم. ومن تلبس بصوم واجب أو صلاة واجبة حرم عليه قطعه سواء كان قضاؤه على الفور كصوم من تعدى بالفطر، أو أخر الصلاة بلا عذر أم لا بأن لم يكن تعدى بذلك.
تتمة: أفضل الشهور بعد رمضان شهر الله المحرم، ثم رجب، ثم باقي الأشهر الحرم، ثم شعبان.
فصل: في الاعتكاف هو لغة اللبث والحبس. وشرعا اللبث في المسجد، من شخص مخصوص بنية. والأصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) *