نظر إن تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضيا إلى الهلاك، تعلق بفعلهما القصاص حتى إذا كان في كل سفينة عشرة أنفس مثلا يقرع بينهم لموتهم معا، فمن خرجت قرعته، قتل به الملاحان، وفي مال كل واحد منهما نصف ديات الباقين، فيكون على كل واحد تسع ديات ونصف مع القصاص، وفي مال كل واحد من الكفارات بعدد من في السفينتين من الأحرار والعبيد، وعلى كل واحد منهما نصف قيمة ما في السفينتين لا يهدر منه شئ، ونصف قيمة سفينة صاحبه، ويهدر نصفها، ويجري التقاص في القدر الذي يشتركان فيه، وإن تعمدا الاصطدام بما لا يفضي إلى الهلاك غالبا وقد يفضي إليه، فهو شبه عمد، والحكم كما ذكرنا، إلا أنه لا يتعلق به قصاص، وتكون الدية على العاقلة مغلظة، وإن لم يتعمدا الاصطدام بل ظنا أنهما يجريان على الريح فأخطأ أو لم يعلم واحد منهما أن بقرب سفينته سفينة الآخر، فالدية على العاقلة، وإن كانت السفينتان لغير الملاحين، وكانا أجيرين للمالك، أو أمينين، لم يسقط شئ من ضمان السفينتين بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة، وكل واحد من المالكين مخير بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه، ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر، وبين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من أمين الآخر، وإن كان المجريان عبدين، فالضمان يتعلق برقبتهما.
الحال الثاني: أن يحصل الاصطدام لا بفعلهما، فإن وجد منهما تقصير بأن توانيا في الضبط، فلم يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه، أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن، أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات، وجب الضمان على ما ذكرنا، وإن لم يوجد منهما تقصير، وحصل الهلاك بغلبة الرياح وهيجان الأمواج، ففي وجوب الضمان قولان، أحدهما: نعم كالفارسين إذا غلبتهما دابتاهما، وأصحهما: لا، لعدم تقصيرهما، كما لو حصل الهلاك بصاعقة بخلاف غلبة الدابة، فإن ضبطها ممكن باللجام، وقيل: القولان إذا لم يكن منهما فعل، بأن كانت السفينة مربوطة بالشط أو مرساة في موضع، فهاجت ريح فسيرتها فأما إذا سيراهما، ثم غلبت الريح، وعجزا عن ضبطهما، فيجب الضمان قطعا، والمذهب طرد القولين في الحالين، فإن قلنا: يجب الضمان، فهو كما لو فرطا،