يكن كذلك، وأما القصاص، فلا يجب على المذهب، وبه قطع الجمهور، وعن سهل الصعلوكي طرد الخلاف فيه، ولو قال: اقطع يدي، فقطعها، فلا قصاص ولا دية قطعا، لأنه إتلاف مأذون فيه، فصار كإتلاف ماله بإذنه، ولو أذن عبد في القتل، أو القطع، لم يسقط الضمان، وفي وجوب القصاص إذا كان المأذون له عبدا، وجهان، أما إذا انضم الاكراه إلى الاذن، فسقوط القصاص أقوى، وأما الدية، فإن لم نوجبها عند تجرد الاذن فمع الاكراه أولى، وإن أوجبناها، بني على أن المكره هل عليه نصف الدية؟ إن قلنا: نعم، فعليه نصفها، وإلا فلا.
واعلم أن الأئمة نقلوا أن المكره على قتله، يجوز له دفع الآمر والمأمور جميعا، وأنه لا شئ عليه إذا قتلهما، وأن للمأمور دفع الآمر، ولا شئ عليه إذا أتى الدفع على نفسه، فعلى هذا إذا قتله دفعا ينبغي أن يحكم بأنه لا قصاص ولا دية بلا تفصيل ولا خلاف، وقد أشار إلى هذا أبو الحسن العبادي فقال: إذا قال:
اقتلني وإلا قتلتك، فإن لم يقتله، فهو استسلام، وإن قتله، فهو دفع، ويمكن أن يقال: موضع التفصيل والخلاف ما إذا أمكنه الدفع بغير القتل، وإنما لا يلزمه شئ إذا لم يمكنه الدفع بغيره، ولو قال: اقذفني وإلا قتلتك، فقذفه، فقيل: لا حد، كما لو قال: اقطعني، قال البغوي: والصحيح وجوبه، لأنه قد يستعين بالغير في قتل نفسه وقطعه، ولا يستعان به في القذف، فجعل القاذف مبتدئا.
قلت: هذا الذي قاله البغوي عجب، والصواب: أنه لا حد. والله أعلم.
فرع لو قال: اقتل زيدا أو عمرا وإلا قتلتك، فهذا ليس بإكراه، بل تخيير، فمن قتله منهما كان مختارا لقتله، وإنما المكره من حمل على قتل معين لا يجد عنه محيصا، وفي الرقم وجه أنه إكراه، ونقله المتولي عن اختيار القاضي حسين، وليجئ مثله في الطلاق، والصحيح الأول، فعلى هذا من قتله منهما،