عند بعضهم، وهل هذه الهيئة واجبة أم مستحبة؟ وجهان، أصحهما:
مستحبة، ويبنى عليهما أنه هل يجوز أن يوكل الذمي مسلما بأداء الجزية، وأن يضمنها مسلم عن ذمي، وأن يحيل ذمي بها على مسلم، فإن أوجبنا إقامة الصغار عند أداء الجزية، لم يجز، وإن قلنا: المقصود تحصيل ذلك المال، ويحصل الصغار بالتزامه المال والاحكام كرها، جاز، والضمان أولى بالصحة، لأنه لا يمنع مطالبة الذمي وإقامة الصغار عليه، ولو وكل ذمي ذميا بالأداء، قال الامام: الوجه طرد الخلاف، ولو وكل مسلما في عقد الذمة له، جاز، لأن الصغار يرعى عند الأداء دون العقد.
قلت: هذه الهيئة المذكورة أولا، لا نعلم لها على هذا الوجه أصلا معتمدا، وإنما ذكرها طائفة من أصحابنا الخراسانيين، وقال جمهور الأصحاب: تؤخذ الجزية برفق، كأخذ الديون، فالصواب الجزم بأن هذه الهيئة باطلة مردودة على من اخترعها، ولم ينقل أن النبي (ص)، ولا أحد من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها مع أخذهم الجزية، وقد قال الرافعي رحمه الله في أول كتاب الجزية: الأصح عند الأصحاب: تفسير الصغار بالتزام أحكام الاسلام وجريانها عليهم، وقالوا: أشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله. والله أعلم.
فصل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه طلب الجزية من نصارى العرب وهم: تنوخ وبهراء وبنو تغلب، وهم قبائل من العرب تنصروا لا يعلم متى تنصروا، وهم مقرون بالجزية، فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض، يعنون الزكاة، فقال عمر رضي الله عنه: هذا فرض المسلمين، فقالوا: زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن تضعف عليهم الزكاة،