الذي كان ظاهرا قبل العلة فعليه خمس من الإبل، وإن قال الجاني كسرت بعض الظاهر فعلى أقل من خمس من الإبل، وقال المجني عليه: بل كسرت كل الظاهر فالقول قول الجاني مع يمينه، لان الأصل براءة ذمته مما زاد على ما أقربه.
(مسألة) في كل ما قررنا وافقنا أحمد وأصحابه، إلا أنه حكى ابن قدامة رواية عن أحمد أن في جميع الأسنان الدية، فتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد ابن المسيب للاجماع، على أن في كل سن خمسا من الإبل وورد الحديث به فيكون في الأسنان ستون بعيرا، لان فيه اثنى عشر سنا، أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب فيها خمس خمس، وفيه عشرون ضرسا في كل جانب عشرة، خمسة في الفك الاعلى ومثلها في الأسفل، فيكون فيها على رأس أحمد أربعون بعيرا في كل ضرس بعيران فتكمل الدية.
وحجة من قال هذا أنه ذو عدد تجب فيه الدية فلم تزد على دية الانسان كالأصابع والأجفان وسائر ما في البدن، ولأنها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس، وأوبرا هذا بأن الأضراس تختص بالمنافع دون الجمال، والأسنان بالمنافع والجمال، فاختلفا في الأرش، ولكن يرد على هذا ما ترجح من المذهب عندنا وعند أصحاب أحمد ومالك وأبي حنيفة ومحمد ابن الحسن، وهو قول عروة وطاوس وقتادة والزهري، لما أخرج أبو داود باسناده عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الأصابع سواء والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء) وهذا نص في مناط النزاع.
ويجاب عن قولهم بالنافع بأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع والأجفان والشفتين، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال لا أعتبرها بالأصابع.
فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه، فمن ذهب إلى قولنا خالف المعنى ذكروه، ومن ذهب إلى قولهم خالت التسوية الثابتة بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد، فكان ما قررنا من الاذعان للأخبار الصحيحة وموافقة أكثر أهل العلم.