قال أبو حفص عمر الغزنوي في الغرة المنيفة (مسألة) إذا استولى الكفار على أموال المسلمين وأحرزوها بدارا لحرب ملكوها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله لم يملكوها، حجة أبي حنيفة رضي الله عنه قوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) أسماهم فقراء مع إضافة الأموال إليهم، والفقير من لا مال له لا من بعدت يده عن المال، ومن ضرورته ثبوت الملك لمن استولى على أموالهم من الكفار وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الفتح: يا رسول الله ألا نزل دارك؟ فقال (وهل ترك لها عقيل من منزل) وكان للنبي صلى الله عليه وسلم دار بمكة ورثها من خديجة رضي الله عنه فاستولى عليها عقيل وكان مشركا وروى ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا أصاب بعيرا له في الغنيمة، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال (إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شئ، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالثمن) وروى تميم عن طرفة أنه عليه الصلاة والسلام قال في بعير أخذه المشركون فاشتراه رجل من المسلمين ثم جاء المالك الأول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم (إن شئت أخذته بالثمن) فلو بقي في ملك المالك القديم لكان له الاخذ بغير شئ، حجة الشافعي رحمه الله قوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) فينبغي أن لا يصير مال المسلم للكافر بالغلبة والاستيلاء عليه.
الحجة الثانية أن المسلم خير من الكافر، والمسلم إذا استولى على مال مسلم آخر لا يصير ملكا له فالكافر أولى الجواب عنه أما الآية فمقتضاها نفى السبيل على نفس المسلم، ونحن نقول بموجبه، فإذا استولى على نفسه يملكه ونحن نملكهم، ولكن الأصل في الأموال عدم العصمة، وإنما صار معصوما بالاحراز بدار الاسلام، فإذا أحرزوها بدار الحرب زالت العصمة بزوال سببها فبقيت أموالا مباحة فتملك بالاستيلاء عليه وفيه وقع الفرق بين استيلاء المسلم والكافر وأن المسلم لم يحرزها إلى دارا لحرب والحربي أحرزها فافترقا.