وهب له ولم يقبل، والصحيح هو الأول، لان الهبة عقد تمليك فلم يحنث فيه من غير ايجاب وقبول كالبيع والنكاح ولا يحنث الا بالصحيح، فأما إذا باع بيعا فاسدا أو نكاح نكاحا فاسدا أو وهب هبة فاسدة لم يحنث، لأن هذه العقود لا تطلق في العرف والشرع إلا على الصحيح.
(الشرح) إذا حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه أو لا يسلم عليه فسلم على جماعة هو فيهم حنث لان السلام كلام تبطل الصلاة به، فإن قصد المحلوف عليه مع الجماعة حنث لأنه كلمه، وان قصدهم دونه لم يحنث، وهو مذهب أحمد رضي الله عنه لان اللفظ العام يحتمل التخصيص، فإن أطلق السلام من غير نية ففيه قولان (أحدهما) يحنث، وبه قال الحسن وأبو عبيد ومالك وأبو حنيفة وأحمد لأنه مكلم لجميعهم، لان مقتضى اللفظ العموم فيحمل على مقتضاه عند الاطلاق (والثاني) لا يحنث، لان العام يصلح للخصوص فلا يحنث بالاحتمال، ووجه القول الأول أن هذا الاحتمال مرجوح فيتعين العمل بالراجح، كما احتمل اللفظ المجاز الذي ليس بمشتهر، فإنه لا يمنع حمله على الحقيقة عند الاطلاق، فإن لم يعلم أن المحلوف عليه فيهم ففيه وجهان (أحدهما) لا يحنث، لأنه لم يرده فأشبه ما لو استثناه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (والثاني) يحنث لأنه قد أرادهم بسلامه، وهو منهم وهذا بمنزلة الناسي.
(فرع) إذا صلى بالمحلوف عليه إماما ثم سلم من الصلاة حنث، لأنه شرع له أن ينوى السلام على الحاضرين، وقال أحمد وأبو حنيفة لا يحنث، لأنه قول مشروع في الصلاة فلم يحنث به كتكبيرها وليست نية الحاضرين بسلامة واجبة في السلام وان أرتج عليه في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث لان ذلك كلام الله وليس بكلام الآدميين.
(مسألة) إذا حلف لا يتكلم فقرأ لم يحنث، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة ان قرأ في الصلاة لم يحنث، وان قرأ خارجا منها حنث لأنه يتكلم بكلام الله، وان ذكر الله تعالى لم يحنث، ومقتضى مذهب أبي حنيفة أنه يحنث لأنه كلام، قال تعالى " وألزمهم كلمة التقوى ".