خامسا، حديث " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء " يدل على عدم اعتبار الخمس، لان الفتق يحصل بدونها ونجيب عن الاعتراض الأول بأن كون التواتر شرطا ممنوع، والسند ما أسلفنا عن أئمة القراءات كحفص ونافع، وقد تكلم الجزري وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبى من أبواب صفة الصلاة، فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الاجماع على ما يخالف هذه الدعوى، ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته. وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رأى المشترطين ممنوع. وكذلك انتفاء قرآنيته ولا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لان الحجة ثبتت بظنية الثبوت التي يجب عندها العمل، وقد قرأ الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثير منها قراءة ابن مسعود " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " وقراءة أبى " وله أخ أو أخت من أم " والجواب على الثاني أن كونه غير محفوظ ممنوع، بل قد حفظه الله برواية عائشة له، والمعتبر حفظ الحكم، ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي روايا له عنه صلى الله عليه وسلم لو وصفه له بالقرآنية، وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من أن المروى آحاد إذا انتفى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما أسلفنا.
والجواب عن الثالث بأن مطلق الرضاع مقيد بأحاديث عدد الرضعات في حديث عائشة. ويجاب عن الرابع بأن زيادة البيان على ذلك الذي قيل عنه من ترك الاستفصال يتعين الاخذ به، وزيادة الثقة حجة والمثبت حجة على النافي. وقد يكون ترك الاستفصال مرده إلى سبق البيان منه صلى الله عليه وسلم للقدر المحرم ويجاب عن الخامس بما أجبنا به عن الثالث والرابع إذا ثبت هذا فإنه إذا كانت الرضعات المحرمة خمسا وكانت في خلال الحولين فلو رضع الخامسة على رأس الحولين فقد ثبت التحريم، وكذلك ينبغي أن تكون الرضعات متفرقات، وبهذا قال أحمد وحد الرضعة كما قلنا أن لا يقطعها إلا باختياره، فأما إن قطع لضيق نفس أو للانتقال من ثدي إلى ثدي، أو لشئ يلهيه، أو قطعت عنه المرضعة نظرت