لأنا نقول: ليس كلهم قال ذلك، وقول البعض ليس حجة، إذا لم يحتج بالنقل وعول على الاستخراج، فصار قوله كقول غيره من أرباب الأصول الذاهبين إلى ذلك، وحينئذ نطالبه بالدليل.
وقد استدل على أن الألف واللام إذا دخلت على اسم الجنس أفادت الاستغراق: لجواز وصفها بالجمع كما قيل أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض وهي العين العور.
والجواب من وجهين:
أحدهما أن ذلك مجاز، وفهم العموم منه بقرينة الوصف بالجمع، ويدلك على المجاز عدم الاطراد، فإنك لا تقول: المرأة الحسان، ولا الفقيه العلماء، ولا النحوي الأدباء، ولو كانت حقيقة فيه لا طرد ولعذب كما يعذب سماع الفقيه العالم والنحوي الأديب. وتفاوت ذوق الاستعمال دليل على التفاوت في الوضع، وقد يستعمل الخاص في العموم كما يقال: يا غافلا والمنايا تسير إليه، وكقوله تعالى: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (16).
والثاني أن نقول: ما ذكرته يرد بتقدير أن نقول هو حقيقة في الخصوص، أما إذا كنا نقول هو دال على الجنس المحض فلا إشعار له بخصوص ولا عموم، وإنما يستفاد كل واحد منهما بما ينضم إليه من الضمائم، فإن ما ذكرته غير وارد، بل يكون وصفه بالجمع دليلا على إرادة الجمع، ووصفه بالواحد دليلا على إرادة الواحد.
ثم نقول: لو كان وصفه بالعموم دليلا على كونه حقيقة في الاستغراق مع ندرته، لكان وصفه بالمفرد دليلا على كونه حقيقة في الواحد مع اطراد استعماله